صاحب الصوت والوقع الشديد.. عساكم بخير
عاجل ـ قائد الكلمة والميدان.. أبو عبيدة يعود للأذهان بأنباء مطمئنة ما القصة؟

لا أحد يعرف - أو على ما يبدو لا أحد يملك معلومات أكثر مما طرحته الأخبار والتقارير والتحديثات الإعلامية - عن ارتقاء أبو عبيدة، وأنه لم يعد على وجه أرضنا. غير أنّه بين الفينة والأخرى يتم تداوُل معلومات بشكل واسع مثل: «عاد أبو عبيدة»، «الملثم بخير»، «حيّ يرزق»، وهكذا تتردّد التغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي أوساط غير رسمية.
لا أحد حقًا يعرف إن كانت هذه من الحقائق أم حالة من حالات التصديق أو أنها أحلام بعودة الغائب المنتظر في خرَف المشاهد المبشرة — كأنّه مسيح يمسح على قلوب المكاسير والحزانى، الذين سحقتهم هم وطموحاتهم قرارات من لا يعرف الرحمة. كلها لا تخرج عن نطاق التوقعات والأماني: «لو أنَّ كذا ما كان كذا». ولأن «لو» الفاتحة لعمل الشيطان، لا تُضيف جديدًا. فصاحب الصوت الرهيب، ذي الوقْع الشديد على مسامع الناس، لم يعد بيننا على الأقل حسب ما خرجت به تقارير ومعلومات تتسم بالرسمية.

"الملثم بخير".. عساكم بخير
تعيش الساحة الفلسطينية منذ أيام على وقع جدل واسع عقب تداول أنباء عن اغتيال الناطق العسكري باسم كتائب القسام، "أبو عبيدة"، في ضربة إسرائيلية؛ وهي الأنباء التي لم تؤكدها حركة حماس رسميًا ولم تنفها كذلك، ما فتح الباب أمام تفسيرات متعددة وفرضيات متناقضة زادت من غموض المشهد.
ورغم تضارب المعطيات، يرى مراقبون أن التزام حماس الصمت وعدم التوضيح الكافي يندرج ضمن استراتيجية الحرب النفسية التي تخوضها الحركة منذ اندلاع الحرب على غزة، معتبرين أن الغموض المحيط بمصير الناطق العسكري يربك الرواية الإسرائيلية ويبقي تأثيره الرمزي والمعنوي حيًا داخل الشارع الفلسطيني والعربي. فقد تحوّل اسم «أبو عبيدة» منذ سنوات إلى رمز للمقاومة وصوتها الصادح في أحلك الظروف، وأي تأكيد رسمي لرحيله سيكون له وقع كبير على الجبهة الداخلية للمقاومة.
حبّذا لو هل هذا الرأي صحيح
أن تكون الأنباء المتداولة حول إصابة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بجروح بالغة، أقرب إلى الواقع من الرواية الإسرائيلية التي أعلنت اغتياله، إن تحليله يستند إلى مؤشرات ميدانية واستخباراتية لافتة، أبرزها غياب إعلان جهاز الأمن العام الإسرائيلي الشاباك عن العثور على جثة أبو عبيدة، وهو ما يعدّ خروجًا عن الإجراءات المعتادة في مثل هذه العمليات. حسب آراء يتم تداولها لمحللين عسكريين أن إعلان جيش الاحتلال عن اغتيال أبو عبيدة دون تأكيد من الشاباك يثير تساؤلات حول مدى مصداقية الرواية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن "هذا التناقض قد يعني أن أبا عبيدة ما زال على قيد الحياة، وربما أصيب بإصابات خطيرة فقط".
يرى أحد الخبراء العسكرين عبر فضائية عربية، أن نجاة أبو عبيدة من محاولة اغتيال مباشرة - إن صحت الفرضية - ستمثل ضربة معنوية جديدة للاحتلال خلال فترة قصيرة جدًا، في إشارة إلى سلسلة الإخفاقات الإسرائيلية في استهداف قيادات المقاومة.

الحرب النفسية أقوى من الرصاص.. والطابع الرمزي يبقى للراحل
وأكد الخبير العسكري أن هذا السيناريو يعكس المرونة العالية والتخطيط الاستراتيجي لدى المقاومة الفلسطينية، التي تمكنت من حماية رموزها البارزة رغم كثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية. وشدد على أن شخصية أبو عبيدة تحمل رمزية كبيرة في الوعي الجمعي الفلسطيني، لكنه أوضح أن المقاومة لا تتوقف عند الأفراد، قائلًا: "المقاومة ليست بأبو عبيدة وحده، ولا بالضيف، ولا حتى بالسنوار، بل هي منظومة متكاملة من القيادة والتخطيط والعمل الميداني".
جدير بالذكر على خلفية الاشتباكات الدامية التي اندلعت في الأيام الأخيرة بين حركة حماس وميليشيات في قطاع غزة، أصدرت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) بيانًا دعت فيه الحركة إلى وقفٍ فوري للعنف وإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة حماس أو تلك القريبة من المنطقة العازلة التي تسيطر عليها إسرائيل.

وجاء في بيان أمريكي: هذه فرصة تاريخية للسلام، وعلى حماس أن تستغلها من خلال وقفٍ كامل لأنشطتها العسكرية والالتزام الصارم بخطة السلام ذات النقاط العشرين التي طرحها الرئيس ترامب، والشروع فورًا في نزع سلاحها. وقال الرئيس الامريكي دونالد ترامي، في منشور عبر حسابه على منصة "تروث سوشال": «إذا واصلت حماس قتل الناس في غزة — وهو ما لم يكن جزءًا من الصفقة — فلن يكون أمامنا خيار سوى الذهاب إلى هناك وقتلهم».
خاتمًا، تبقى الحرب أقوى دليل على الحياة، فعنفوان المشهد وإن بدا قويًا وقاسيًا، فإن روح المقاومة في داخل النفس سر من أسرار قدسية هذه الحياة، ربما رحل أبو عبيدة كما رحل الكثيرون، لكن تبقى العزيمة ويبقى صاحب الأرض المقاوم على ارضه، ويبقى العدو متربص، ولا نامت أعين الجُبناء.