تصاعد الحراك الميداني والسياسي في غزة... وضغوط أمريكية لترتيب مرحلة ما بعد الحرب

تقارير وحوارات

قطاع غزة
قطاع غزة

 


تشهد الساحة الغزية حراكًا سياسيًا وإنسانيًا متسارعًا في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة بمشاركة مصر وتركيا وقطر، وسط جهود دولية تهدف لتثبيت الهدوء ومنع تجدد المواجهات، بالتوازي مع مفاوضات معقدة حول ترتيبات "اليوم التالي للحرب".

 

 

تسليم الجثامين واستمرار الوساطة الدولية

تواصل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عمليات تسلم ونقل جثامين عشرات الأسرى الفلسطينيين إلى قطاع غزة، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق "طوفان الأقصى لتبادل الأسرى".
وفي المقابل، أعلنت كتائب القسام تسليم جثتين لمحتجزين إسرائيليين، بينما أكدت مصادر فلسطينية لـ "العربي الجديد" تسلّم الحركة 45 جثمانًا من عناصر النخبة الذين استشهدوا خلال المعارك.
ووفق مصادر إسرائيلية، فإن تسليم الرفات "لن يؤثر على مسار المفاوضات الجارية"، فيما أشارت هآرتس إلى أن تل أبيب كانت تدرك مسبقًا صعوبة استكمال العملية خلال أيام معدودة.

 


مساعدات إنسانية وتحديات لوجستية

أعلن برنامج الغذاء العالمي (WFP) دخول 137 شاحنة مساعدات إلى غزة لدعم المخابز وتوزيع المواد الغذائية، مشيرًا إلى وجود أكثر من 170 ألف طن متري من الإمدادات الجاهزة للنقل لتغطية احتياجات مليوني شخص.
وأكد البرنامج أن هدفه هو "إغراق غزة بالغذاء سريعًا"، فيما انتقد المقرر الأممي الخاص بالحق في الغذاء ربط إسرائيل إدخال المساعدات بملف الأسرى، معتبرًا ذلك "إجراءً غير قانوني".
أما الأونروا، فكشفت أن السلطات الإسرائيلية ما تزال تمنع إدخال الإمدادات إلى غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، رغم إعلان وقف إطلاق النار.

معبر رفح... عقدة الميدان والسياسة

تتجه الأنظار نحو معبر رفح باعتباره البوابة الإنسانية والسياسية الأهم في المرحلة الراهنة.
فقد نقلت رويترز عن مصادر دبلوماسية أن فتح المعبر أمام المسافرين بات وشيكًا، بحضور بعثة المراقبة الأوروبية، بينما أكدت هيئة الاستعلامات المصرية جاهزية المعبر من الجانب المصري، مشيرة إلى “محاولات إسرائيلية لعرقلة التنفيذ”.
وكشفت القناة 14 الإسرائيلية أن قوة محلية من غزة موالية للسلطة الفلسطينية ستتولى تشغيل المعبر من الجانب الفلسطيني تحت إشراف أمني إسرائيلي، ضمن ترتيبات ما بعد الحرب.

الموقف الأمريكي: نزع السلاح وتشكيل نظام جديد

قال مستشارون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الوضع في غزة “لا يزال حساسًا للغاية بعد عامين من الحرب”، مؤكدين أن واشنطن تعمل على “تهيئة الظروف لنزع السلاح تدريجيًا وإنشاء نظام إداري جديد في القطاع”.
وأوضح مستشار كبير أن المرحلة الثانية من الاتفاق تتضمن إقامة حكم تكنوقراطي فلسطيني مؤقت بدعم من مصر ودول عربية أخرى، مشيرًا إلى أن “فلسطينيين من الشتات أبدوا استعدادهم للمشاركة في إعادة بناء غزة بعيدًا عن الانقسام الحزبي”.

ووفق تسريبات نشرتها القناة 12 العبرية، فإن الخطة الأمريكية تشمل:

إعادة إعمار رفح كنموذج أولي للمناطق الخارجة عن سيطرة حماس.

تشكيل قوة استقرار دولية بمشاركة دول مثل إندونيسيا وأذربيجان.

توفير مناطق آمنة للفلسطينيين المهددين من قبل حماس داخل مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية.

تأجيل نزع السلاح الكامل إلى مرحلة لاحقة لضمان الاستقرار.


وقال أحد مستشاري ترامب لشبكة CNN: “لن نسمح لحماس بالسيطرة على أي منطقة في غزة مجددًا، والمرحلة المقبلة ستركز على إعادة الإعمار وتشكيل إدارة مدنية محلية جديدة”.


الدور المصري والدولي في إعادة الإعمار

أعلن وزير الخارجية المصري في تصريحات لـCNN أن مؤتمر إعادة إعمار غزة سيُعقد في القاهرة الشهر المقبل، بدعم من الأمم المتحدة والبنك الدولي.
كما أكد ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فلسطين الحاجة العاجلة لرفع الأنقاض وإعادة الحياة للقطاعين الصحي والتعليمي، مقدّرًا أن إزالة الركام الناتج عن الحرب ستستغرق سبع سنوات على الأقل.

توتر ميداني وتحذيرات متبادلة

رغم وقف إطلاق النار، لا تزال الأجواء متوترة؛ إذ رُصد تحليق مكثف للطائرات الحربية الإسرائيلية فوق وسط القطاع، فيما استهدفت غارة جوية إسرائيلية بلدة عبسان شرق خانيونس.
وفي المقابل، حذّر الرئيس الأمريكي ترامب في مقابلة مع “سي إن إن” من أن “القوات الإسرائيلية قد تستأنف القتال في غزة بمجرد كلمة منه إذا أخلّت حماس بالاتفاق”، بينما أعلن وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس عن خطة عسكرية “لإخضاع حماس إذا تجدد القتال”.

مواقف إنسانية وأخلاقية

دعا بابا الفاتيكان إلى عدم استخدام التجويع كسلاح في النزاعات، واصفًا ذلك بأنه “جريمة حرب”.
كما جدّد مسؤولون أمميون الدعوة لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية دون شروط سياسية، وضمان حماية المدنيين وكرامتهم.


في النهاية التحركات الإنسانية والتجاذبات السياسية، تبدو غزة على أعتاب مرحلة دقيقة من تاريخها.
فبين سعي واشنطن لترتيب "غزة الجديدة"، ودور القاهرة في الوساطة، وضغوط الأمم المتحدة لتسريع الإعمار، تظلّ المعادلة رهينة مدى التزام الأطراف بالاتفاق، وقدرة الميدان على الصمود أمام التصعيد المحتمل