محمد دياب يكتب: قلادة النيل العظمى.. رسالة السيادة المصرية بلغة الدبلوماسية الهادئة

مقالات الرأي

 🖊️ بقلم - محمد
🖊️ بقلم - محمد دياب

في السياسة ليست كل الإشارات عفوية ولا كل الرموز مجرد تفاصيل بروتوكولية. أحيانًا تكون الخطوة البسيطة في ظاهرها أبلغ من أي بيان رسمي وهذا ما تجسده الخطوة الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي حين منح نظيره الأمريكي دونالد ترامب "قلادة النيل العظمى" في مشهد حمل أبعادًا سياسية ورسائل رمزية تتجاوز حدود التكريم الشرفي إلى دلالات أعمق ترتبط بالسيادة والمكانة والدبلوماسية المصرية

فالمسألة لا تقتصر على منح وسام رفيع لمستحق بل تتجلى أهميتها في حسن التوقيت وبلاغة المسمى إذ تعبّر "قلادة النيل" عن جوهر الهوية المصرية وارتباط الدولة الأزلي بنهرها الخالد الذي يرمز للحياة والسيادة معًا

في هذا السياق يأتي منح القلادة كرسالة رمزية دقيقة تؤكد أن مصر لم ولن تتنازل عن حقها التاريخي في مياه النيل وأنه لا مجال للمساومة في قضايا تمس وجودها وهويتها
وكأن القيادة السياسية تقول للعالم: " النيل نهر الحياة في أرضنا وجزء أصيل من كياننا الوطني وعنوان سيادتنا الممتدة منذ فجر التاريخ"

هذا الفعل في جوهره شكل من أشكال "الدبلوماسية الرمزية" حيث تُستخدم الرموز الوطنية لتوصيل الموقف السياسي بذكاء وهدوء دون الحاجة إلى تصريحات مباشرة أو بيانات حادة فحين تختار الدولة أن تمنح وسامها الأعلى باسم النيل في ظل أجواء إقليمية معقدة فإنها تبعث برسالة قوية مفادها أن السيادة على النهر ليست موضع نقاش وأن مصر تملك من أدوات القوة الناعمة والصلبة ما يجعلها قادرة على حماية مصالحها

وبينما يرى البعض في القلادة وسامًا شرفيًا فحسب فإن المتأمل في دلالات المشهد يدرك أن الأمر أعمق بكثير فالقيادة المصرية توظف الرموز بدقة متناهية لتُذكّر الجميع أن النيل رمز وجود لا ورقة تفاوض وأن كل ما يرتبط به يدخل ضمن ثوابت الدولة التي لا تُمس

إن "قلادة النيل العظمى" تتجاوز معناها التكريمي لتتحول إلى رسالة دبلوماسية هادئة تؤكد أن هذا الوسام لا يُمنح إلا في إطار السيادة الوطنية وأن اسم النيل حين يرتبط بتكريم فهو إعلان عن مكانة مصر وهيبتها الراسخة ورمزٌ لثوابتها التي لا تتبدل.