تقرير خاص | قمة شرم الشيخ للسلام... من الميدان إلى الطاولة السياسية

تقارير وحوارات

قمة شرم الشيخ للسلام
قمة شرم الشيخ للسلام - الفجر

 

 

يمثل الإعلان عن مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قمة شرم الشيخ للسلام والمصالحة تحولًا سياسيًا عميقًا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد. فاللقاء، الذي يجري برعاية مشتركة بين مصر والولايات المتحدة، يأتي بعد أيام فقط من وقف الحرب الدامية في غزة، ليشكل لحظة انتقال من الميدان العسكري إلى مسار التسوية السياسية.

ويُعد هذا اللقاء، لو تم، أول مواجهة مباشرة بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية منذ تعثر عملية السلام في عام 2014، ما يجعله محطة محورية في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي، ومحكًا حقيقيًا لجدية الأطراف في استعادة مسار الحل الدائم.

 


اتصال ثلاثي بين السيسي وترامب ونتنياهو: تنسيق استراتيجي نادر

في تطور لافت، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأمريكي دونالد ترامب أثناء وجوده في إسرائيل، انضم إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الخط ذاته، في مشهد نادر من الدبلوماسية الإقليمية.

وبحسب مصادر سياسية، تناول الاتصال التنسيق حول الترتيبات النهائية لقمة شرم الشيخ، حيث تم الاتفاق على مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة، إلى جانب نتنياهو، تأكيدًا على التزام الجانبين بإنجاح اتفاق وقف الحرب في غزة، وتحويله إلى إطار سلام دائم.

هذا الاتصال الثلاثي عكس مستوى غير مسبوق من التنسيق بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب، ورسّخ الدور المصري كضامن رئيسي للاتفاق ومظلة سياسية لمسار الإعمار والمصالحة.

 


المشهد الميداني: تبادل الأسرى والرهائن يمهد للسلام

على الأرض، شهدت الساعات الماضية تطورًا عمليًا بتنفيذ المرحلة الأولى من تبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، حيث وصلت حافلات تقل أسرى فلسطينيين إلى رام الله، بالتوازي مع دخول سيارات إسرائيلية تحمل رهائن محررين إلى قاعدة "ريعيم" العسكرية.

هذه الخطوة الميدانية حملت أبعادًا إنسانية وسياسية بالغة الأهمية، إذ منحت الاتفاق مصداقية عملية، وأعادت الثقة بين الأطراف بعد سنوات من التصعيد والعنف.

 


شرم الشيخ... من ساحة الحرب إلى عاصمة السلام

تكتسب القمة رمزية خاصة لكونها تُعقد في مدينة شرم الشيخ، التي لطالما كانت عنوانًا للسلام في الشرق الأوسط منذ تسعينيات القرن الماضي.
تحت شعار "السلام من أرض السلام"، تعود المدينة لتحتضن حدثًا دوليًا يعيد رسم خريطة المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، ويمثل بداية مرحلة جديدة عنوانها "من الحرب إلى السلام... ومن الألم إلى الأمل".

 


مشاركة نتنياهو بين الحضور والإلغاء

رغم تأكيد مصادر دبلوماسية على اتفاق السيسي وترامب ونتنياهو خلال الاتصال الثلاثي على الحضور، أعلنت لاحقًا القناة 14 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ألغى زيارته إلى شرم الشيخ بسبب تزامنها مع عيد العُرش اليهودي، في حين لم يصدر تأكيد رسمي نهائي من مكتب نتنياهو سوى بيان مقتضب يفيد بـ "تعذر المشاركة لأسباب تتعلق بالجدول الزمني".

ويرى مراقبون أن قرار الإلغاء لا يُغيّر من جوهر الحدث، إذ ستظل مشاركة إسرائيل ممثلة في وفد رفيع المستوى، فيما تبقى القمة منصة لإطلاق مرحلة جديدة من التفاهمات السياسية والأمنية برعاية مصرية – أمريكية.

قراءة في الدلالات السياسية والإقليمية

عربيًا:
انضمام دول عربية مؤثرة مثل قطر والأردن والبحرين والكويت إلى القمة يعكس اصطفافًا عربيًا موحدًا خلف الرؤية المصرية – الأمريكية للسلام.


إسرائيليًا:
إعلان نتنياهو المشاركة – ولو رمزيًا – يمثل اعترافًا رسميًا بدور القاهرة كضامن رئيسي للتهدئة، ومحاولة لتلميع صورته داخليًا بعد الانتقادات الواسعة عقب حرب غزة.


فلسطينيًا:
عودة الرئيس محمود عباس إلى واجهة الأحداث تمنح السلطة الفلسطينية شرعية دولية متجددة، وتمهد لإدارة فلسطينية – دولية مشتركة لمرحلة إعادة إعمار غزة.


دوليًا:
الولايات المتحدة تسعى عبر هذه القمة إلى استعادة دورها القيادي في الشرق الأوسط، فيما تتابع موسكو وبكين التطورات بحذر في ظل احتمال تشكل محور سياسي جديد تقوده واشنطن والقاهرة.

 

 

 

من إدارة الصراع إلى إنهائه

تمثل قمة شرم الشيخ نقطة تحول تاريخية، ليس فقط لأنها تُختتم بتوقيع اتفاق سلام، بل لأنها تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، تُعيد لمصر مكانتها كوسيط محوري، وتفتح الباب أمام شرق أوسط أكثر استقرارًا وتعاونًا.

سواء حضر نتنياهو شخصيًا أم لا، يبقى الجوهر واحدًا: قمة شرم الشيخ هي إعلان رسمي عن انتقال المنطقة من منطق الحرب إلى منطق السلام.