العفو بعد الموت يعيد الحياة الرمزية للجنرال مامان جيا فاتسا.. فمن هو؟

منح الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو عفوًا رئاسيًا بعد الوفاة للجنرال مامان جيا فاتسا، الذي أُعدم عام 1986 بتهمة الخيانة العظمى، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والثقافية في نيجيريا.
وهذا القرار الذي أعلنته صحيفة "بريميم تايمز" النيجيرية أعاد اسم فاتسا إلى الواجهة بعد ما يقارب أربعة عقود على إعدامه، واعتُبر محاولة لتصحيح خطأ تاريخي أو إعادة النظر في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ المؤسسة العسكرية النيجيرية.
من هو مامان جيا فاتسا؟
وُلد مامان جيا فاتسا في الثالث من ديسمبر عام 1940 في مدينة بيدا بولاية نيجر شمالي البلاد. التحق بالجيش النيجيري عام 1962 وتلقى تدريبه في الكلية العسكرية النيجيرية ثم في الأكاديمية العسكرية الهندية.
كما شارك في الحرب الأهلية النيجيرية بين عامي 1967 و1970 وتولى عدة مناصب قيادية بارزة، من بينها قيادة وحدات عسكرية مختلفة وإدارة مدرسة المشاة، كما عُين وزيرًا للعاصمة الفيدرالية أبوجا بين عامي 1984 و1985.
إلى جانب حياته العسكرية، عُرف فاتسا بكونه شاعرًا وكاتبًا، إذ أصدر مجموعات شعرية للكبار والأطفال بلغات محلية عدة، واهتم بدعم الأدب والكتاب، وأسهم في إنشاء “قرية الكتاب” في أبوجا، التي سميت لاحقًا باسمه تخليدًا لذكراه.
في ديسمبر عام 1985، اعتُقل فاتسا مع عدد من الضباط بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم ضد الرئيس آنذاك الجنرال إبراهيم بابانغيدا، الذي كان صديقًا مقربًا له منذ أيام الدراسة العسكرية.
وبعد محاكمة عسكرية سريعة، أُدين بتهمة الخيانة ونُفذ فيه حكم الإعدام رميًا بالرصاص في الخامس من مارس عام 1986، رغم مناشدات عدد من الأدباء البارزين مثل وول سوينكا وتشينوا أتشيبي الذين طالبوا بالعفو عنه.
ورغم مرور الزمن، ظلّت قضيته مثار جدل، حيث اعتبر كثيرون أن الاتهامات التي وُجهت إليه كانت ضعيفة ومبنية على اعترافات قسرية، وأن الإعدام جاء نتيجة صراعات داخلية في الجيش أكثر من كونه جريمة خيانة حقيقية.
العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس تينوبو جاء في إطار استخدامه لصلاحيات "العفو بعد الوفاة" ضمن مبادرة لمراجعة قضايا تاريخية أثارت جدلًا في نيجيريا.
ويُنظر إلى القرار باعتباره محاولة لتصحيح ظلم تاريخي وتعزيز المصالحة الوطنية، وإعادة الاعتبار لشخصية تركت بصمة أدبية وثقافية إلى جانب مسيرتها العسكرية.
كما يرى محللون أن القرار يحمل بعدًا سياسيًا، إذ يسعى تينوبو من خلاله إلى تقديم نفسه كقائد يتبنى رؤية تصالحية تعيد قراءة الماضي بروح جديدة، وتعزز صورته كزعيم منفتح على معالجة أخطاء الأنظمة السابقة.
رحبت أسرة فاتسا بالقرار، واعتبرته خطوة تعيد الكرامة لاسم والدهم، بينما عبّر عدد من المثقفين النيجيريين عن ارتياحهم لما وصفوه بإنصاف متأخر لرجل جمع بين الشعر والبندقية. في المقابل، يرى بعض العسكريين أن العفو قد يثير نقاشًا حول مبدأ الثبات والانضباط في المؤسسة العسكرية، ويفتح الباب لمراجعة قضايا مشابهة في تاريخ البلاد.
بهذا القرار، أعاد الرئيس تينوبو الحياة الرمزية للجنرال مامان جيا فاتسا، في لحظة تجمع بين السياسة والتاريخ والذاكرة، وتفتح نقاشًا جديدًا حول معنى العدالة بعد الموت في نيجيريا الحديثة.