من يجرؤ على منافسة الخطيب؟.. انسحابات ودهاليز خفية تُعيد سؤال النزاهة في انتخابات الأهلي

بوابة الفجر

في الوقت الذي تستعد فيه القلعة الحمراء لأحد أهم الأحداث الإدارية في تاريخها، تسود حالة من الغموض والجدل أجواء انتخابات النادي الأهلي المقبلة، بعد سلسلة من الانسحابات المفاجئة التي بدلت ملامح المشهد الانتخابي، وأعادت إلى الواجهة تساؤلات حول طبيعة المنافسة داخل أحد أكثر الأندية المصرية عراقة وتأثيرًا.

فما بين من يرى في هذه الانسحابات احترامًا لـ«رمز الاستقرار» الكابتن محمود الخطيب، ومن يلمّح إلى ضغوط غير مباشرة تمارس على بعض المرشحين، يظل السؤال قائمًا: هل تسير انتخابات الأهلي في طريق ديمقراطي حر، أم أن هناك خيوطًا خفية تُوجّه المشهد من وراء الستار؟

انتخابات الأهلي

يعد النادي الأهلي من أعرق المؤسسات الرياضية في مصر وإفريقيا، وارتبط اسمه على مدار تاريخه الطويل بمبادئ المشاركة والديمقراطية.

فمنذ تأسيسه عام 1907، حرص النادي على أن تُجرى انتخاباته بشفافية وسط مشاركة واسعة من أعضائه، ما جعله نموذجًا يُحتذى به في إدارة المؤسسات الرياضية.

لكن هذه المرة يبدو أن الصورة ليست كما كانت دائمًا؛ فالتاريخ الذي اعتاد على التنافس الحقيقي يشهد اليوم هدوءًا لافتًا، يقابله تراجع واضح في عدد المرشحين، وتزايد في حالات الانسحاب، ما أثار تساؤلات حول المناخ الانتخابي ومدى حياده.

الانسحابات المتتالية

خلال الأيام الماضية، أعلنت منار سعيد انسحابها رسميًا من سباق الانتخابات، مبررة قرارها بـ "الاحترام الكامل للكابتن محمود الخطيب، وإيمانًا بضرورة الحفاظ على استقرار النادي".

كما أعلن أحمد مجدي (الحيوان) اعتذاره عن استكمال الترشح لمنصب عضو مجلس الإدارة فوق السن، مشيرًا إلى أن قراره جاء "بعد تفكير عميق، رغبةً في إتاحة المجال للقيادة الحالية لاستكمال ما بدأته من مشروعات".

ورغم أن التصريحات الرسمية للمنسحبين حملت نبرة هادئة، فإن تكرار هذه الحالات أثار علامات استفهام عديدة داخل الجمعية العمومية، خاصة في ظل غياب قوائم قوية أمام قائمة الخطيب، التي تبدو في طريقها للفوز دون منافسة حقيقية.

وفي تصريح خاص لـ"الفجر الرياضي" على الظاهرة، قال الناقد الرياضي خالد الغندور: "أرى أنه شو إعلامي، ازاي أتقدم لانتخابات وبعدها بيومين أعتذر وأقول علشان استقرار الأهلي وقائمة الخطيب؟ يبقى مكنتش أتقدم من الأول، حاجة مضحكة بصراحة، ليه من الأساس وأروح أدفع رسوم الترشح!"

أما المرشح المنسحب أحمد الحيوان، فاكتفى بتصريح مختصر قال فيه: "مش محتاج أي تصريحات، ده بيتنا.. واللي بيحصل بنقفل عليه بينا."

شهادات من الداخل

قال أحد أعضاء الجمعية العمومية – رفض ذكر اسمه – في تصريحات خاصة: "كل من يحاول الترشح خارج قائمة الخطيب يواجه صعوبات واضحة، سواء في التواصل مع الأعضاء أو في تنظيم حملته الانتخابية، وكأن الطريق مُعبد أمام قائمة واحدة فقط."

في المقابل، نفى أحد المقربين من الإدارة الحالية وجود أي نوع من الضغوط، مؤكدًا أن: "النادي الأهلي مؤسسة تحترم القانون، والانتخابات تُدار بشفافية تامة، ومن يرغب في الترشح له كل الحرية في ذلك دون أي تدخل من الإدارة."

رأي قانوني

يقول المحامي محمود سليمان، المختص في شؤون الهيئات الرياضية، إن أي مرشح يشعر بوجود ممارسات غير قانونية يمكنه تقديم شكوى رسمية إلى لجنة الانتخابات بالنادي أو إلى اللجنة الأولمبية المصرية.

وأوضح أن: "الانتخابات الرياضية تخضع لضوابط صارمة، وأي محاولة للتأثير على إرادة المرشحين أو الأعضاء تُعد مخالفة جسيمة تستوجب التحقيق والمساءلة."

رد النادي الأهلي

حاول التحقيق التواصل مع مسؤولي النادي الأهلي للحصول على تعليق رسمي حول ما أُثير بشأن ممارسة ضغوط على بعض المرشحين، إلا أنه لم يصدر أي رد حتى موعد نشر التحقيق.

في المقابل، أكدت مصادر داخل النادي أن الانتخابات ستجرى وفقًا للوائح وبإشراف قضائي كامل، يضمن النزاهة والشفافية، ويؤكد التزام إدارة النادي بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع المرشحين.

تحليل الفجر الرياضي للمشهد

تشير المعطيات الحالية إلى أن المنافسة الانتخابية داخل الأهلي تتراجع مقارنة بالدورات السابقة، إذ تميل الكفة بوضوح نحو القائمة الرسمية بقيادة محمود الخطيب، التي تحظى بدعم قوي من قطاعات واسعة من الجمعية العمومية.

ويرى البعض أن هذا "الاستقرار" يمنح النادي فرصة لاستكمال مسيرته دون انقسامات، فيما يرى آخرون أن غياب التعددية والمنافسة الحقيقية يضعف ثقة الأعضاء في العملية الانتخابية، ويجعلها أقرب إلى التجديد بالتزكية منها إلى سباق انتخابي فعلي.

قال الناقد الرياضي عمرو الدرديري في تصريحاته الخاصة لـ"الفجر الرياضي":  "بكل أسف، ظاهرة عدم الترشح وفوز قائمة محمود الخطيب في انتخابات الأهلي بالتزكية ظاهرة غير ديمقراطية... من مصلحة الأهلي وجود منافسة قوية يحسمها صاحب الشعبية الأكبر الذي تتفق عليه الجمعية العمومية، لا أن تكون النتيجة محسومة مسبقًا."

وأضاف الدرديري: " وحتى المرشحين على العضوية قرروا الانسحاب بشكل أرى أنه يشوه المنظر أكثر من أن يجمله كما يدعي البعض، طالما مرشح تقدم كان من المفترض أن يخوض التجربة مهما حدث لأنه تقدم بالتأكيد وفقًا لمعايير هو وضعها لنفسه، فالديمقراطية الرياضية غير موجودة في انتخابات الأهلي:

بينما يرى الناقد الرياضي فيصل زيدان أن المشهد يعكس ثقة مطلقة في قائمة الخطيب، قائلًا: "انسحاب المرشحين من انتخابات الأهلي لا يعكس إلا يقينًا في الثقة بقائمة كابتن الخطيب، التي تضم قامات إدارية وكروية كبيرة... الجمعية العمومية للأهلي نموذج كبير للديمقراطية ولم يشهد التاريخ يومًا أنها لم تكن موفقة في اختياراتها."

أما الناقد جمال الزهيري فقد قدم قراءة أكثر توازنًا للمشهد، موضحًا أن: "تكرار انسحاب المرشحين هو تعبير عن إدراكهم لصعوبة موقفهم بعد إعادة قراءة الواقع. احترام المرشحين للخطيب لا يجب أن يكون معيارًا، فاحترامه أمر مفروغ منه، والترشح أمامه لا يعني الانتقاص من مكانته."

وأضاف: "لا أعتقد أن هناك مؤشرات على وجود ضغوط على من يترشح خارج القائمة، كما أن هذه الحالة لا تؤثر على صورة الديمقراطية داخل النادي، بل يمكن اعتبارها تجديدًا للثقة في مجلس الخطيب وزيادة في استقراره."

وفي النهاية، تظل انتخابات الأهلي حدثًا ديمقراطيًا مميزًا في المشهد الرياضي المصري، لكنها هذا العام تحمل بين طياتها تساؤلات مشروعة حول طبيعة المنافسة ومدى قدرتها على تجسيد مبادئ الشفافية التي طالما افتخر بها النادي.

وبين من يعتبر الانسحابات «رسالة احترام» ومن يراها «نتيجة ضغوط غير معلنة»، تبقى الحقيقة رهن الأيام القادمة، وبمدى نجاح إدارة النادي في تأكيد أن الأهلي كما كان دائمًا نادي المبادئ.. ونادي الديمقراطية قبل أي شيء آخر، ويبقى السؤال المطروح: هل تشهد انتخابات الأهلي تنافسًا حقيقيًا يعكس مبادئه التاريخية، أم أننا أمام مشهد محسوم سلفًا تحت شعار «الاستقرار أولًا»؟