رحيل العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم.. مسيرة نصف قرن في خدمة العلم والدعوة

تقارير وحوارات

فضيلة الشيخ أحمد
فضيلة الشيخ أحمد عمر هاشم - الفجر

 

 

في لحظة وداع مؤثرة، ودّع المصريون والعالم الإسلامي أحد أبرز رموز الأزهر الشريف والعلم الشرعي، الدكتور أحمد عمر هاشم (1941 – 2025)، عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، الذي كرّس حياته لخدمة الدعوة والتعليم ونشر الفكر الوسطي المستنير.


النشأة والبدايات العلمية

وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم في السادس من فبراير عام 1941 بقرية بني عامر بمحافظة الشرقية، ونشأ في بيئة ريفية متدينة، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، فظهرت عليه ملامح النبوغ العلمي والاتزان الخُلقي منذ طفولته.
التحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وتخرّج فيها عام 1961، ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الحديث وعلومه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. بدأ مسيرته الأكاديمية عضوًا بهيئة التدريس في الكلية، قبل أن يتدرج في المناصب حتى تولى عمادتها، ثم أصبح نائبًا لرئيس الجامعة للتعليم والدراسات العليا، وصولًا إلى منصب رئيس جامعة الأزهر.

مسيرة علمية تجاوزت نصف قرن

امتدت مسيرة الدكتور هاشم العلمية لأكثر من خمسين عامًا، شارك خلالها في تطوير مناهج الأزهر وتعزيز منظومة البحث العلمي، كما عمل على إعداد وتأهيل الكوادر التدريسية والدعوية داخل مصر وخارجها.
تميّز بعلاقته الرفيعة مع طلابه، الذين رأوا فيه نموذج العالم المتواضع الذي يجمع بين العلم الغزير والأخلاق الرفيعة، وتخرّج على يديه مئات العلماء والدعاة الذين حملوا رسالته في الاعتدال ونشر قيم التسامح والوسطية.

مؤلفات علمية خالدة

ألّف الدكتور أحمد عمر هاشم أكثر من 120 كتابًا في الحديث النبوي والسنة والسيرة وعلوم الشريعة، اتسمت بالدقة والمنهجية والاعتدال، وأصبحت مراجع علمية أساسية في الجامعات والمعاهد الإسلامية.
ومن أبرز مؤلفاته:

السيرة النبوية للفتيان

موسوعة الأحاديث النبوية

حجية السنة النبوية

السنة النبوية في مواجهة التحديات

الأمن في الإسلام


كما اشتهر بعمله الموسوعي الكبير فيض الباري في شرح صحيح البخاري (15 جزءًا)، وكتابه دفاع عن الحديث النبوي الذي يُعد من أهم المراجع في الرد على المشككين في السنة.


الفكر الوسطي ومواجهة التطرف

 

تميّز الدكتور هاشم بخطابه الوسطي المعتدل الذي جسّد منهج الأزهر الشريف في الجمع بين العلم والإيمان، وبين الفقه والواقع.
دافع بقوة عن السنة النبوية ضد محاولات التشكيك فيها، مؤكدًا أن "من يطعن في السنة يطعن في الإسلام ذاته".
شارك في عشرات المؤتمرات المحلية والدولية، مقدّمًا رؤى فكرية حول قضايا الفتوى، والتعليم الديني، والتجديد المنضبط، ومواجهة الفكر المتطرف بالحجة والبرهان.


مناصب وجوائز رفيعة

 

شغل الدكتور أحمد عمر هاشم عددًا من المناصب المرموقة، منها:

عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف

عضو مجمع البحوث الإسلامية

عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

عضو المجلس الأعلى للثقافة

رئيس المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين

عضو سابق في مجلس الشعب المصري


ونال العديد من الجوائز والأوسمة تقديرًا لعطائه، أبرزها:

جائزة الدولة التقديرية

وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى

جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لعام 2023، حيث تم تكريمه كـ "الشخصية الإسلامية" للعام.


إرث خالد في الوجدان الإسلامي

 

رحل الدكتور أحمد عمر هاشم بعد أن ترك إرثًا علميًا وفكريًا سيظل خالدًا في وجدان الأمة الإسلامية. جمع بين الفكر الأزهري الأصيل والمنهج الوسطي، وكان مثالًا للعالم العامل الذي ينشر الدين بالحكمة والموعظة الحسنة.
شيّع جثمانه من الجامع الأزهر الشريف في جنازة مهيبة، تقدّمها العلماء والطلاب ومحبو الأزهر، قبل أن يُوارى الثرى في مسقط رأسه بمحافظة الشرقية.

سيبقى اسم الدكتور أحمد عمر هاشم علامة مضيئة في تاريخ الدعوة الإسلامية، وعالمًا من الطراز الرفيع، لم يبدل ولم يتلون، ظل ثابتًا على منهج الأزهر الشريف حتى آخر لحظة في حياته.