وداعًا الدكتور أحمد عمر هاشم.. مدَّاح النبي وعالم الحديث وامتداد الشعراوي "بروفايل"

تقارير وحوارات

وداعًا الدكتور أحمد
وداعًا الدكتور أحمد عمر هاشم

ذلك الصوت الدافئ الذي ما دام صدح في إذاعة القرآن الكريم، يفيض خشوعًا وتأثرًا، وهو يحدّث الناس عن سيرة النبي ﷺ وعن مواقف الصحابة الأبرار، فتخال كلماته تخرج من قلبٍ مفعمٍ بالحب النبوي واليقين الإيماني. عرفناه في البرامج الدينية، في خطب الجمعة، وفي مجالس العلماء، بصوته المميز ونبرته الهادئة التي تسكن القلوب قبل أن تصل إلى الآذان. واليوم، إذ يرحل عن دنيانا العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، سنفتقد ذلك الصوت الإيماني المطمئن الذي كان يرافقنا عبر الأثير والشاشات، ولن نسمعه إلا في التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية المؤرشفة، حيث يبقى أثره شاهدًا على عالمٍ عاش لله وعلَّم الناس سبيل الهداية.

رحل مدَّاح النبي

عرف الدكتور أحمد عمر هاشم بقصائده الكثيرة في مدح النبي عليه الصلاة والسلام، فكم بكى على المنبر وهو يتحدث عن الهجرة والغزوات، وكم ألهب القلوب بمحبة الرسول ﷺ، حتى غدت كلماته نبراسًا لمحبي السيرة والحديث الشريف. كان من العلماء الذين يجمعون بين العلم والوجدان، بين الدرس الأكاديمي والروح الوعظية، فإذا تحدث عن الحديث النبوي أحيا معانيه، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الدمع في عينيه.

رحل امتداد الشعراوي

تتلمذ الراحل على يد كبار علماء الأزهر الشريف، وكان من أبرزهم الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي ما دام دافع عنه وعدّه من أولياء الله الصالحين، مؤكدًا أن الله وهبه الموهبة الربانية لتفسير القرآن الكريم بلسان قريب من القلوب. وقد ظهر الدكتور أحمد عمر هاشم في كثير من التسجيلات القديمة جالسًا بين يدي الشعراوي متأدبًا متعلّمًا، مما يعكس تواضعه واحترامه لشيوخه، وهو ما جعله امتدادًا لجيل العلماء الكبار الذين جمعوا بين الورع والعلم.

برحيل الدكتور أحمد عمر هاشم، فقدت الأمة الإسلامية واحدًا من أبرز علمائها ودعاتها المعتدلين، وأحد أعمدة الأزهر الشريف الذين حملوا راية العلم والوسطية لعقود طويلة. وُلد الراحل في السادس من فبراير عام 1941م بقرية بني عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، ونشأ في بيئة ريفية طيبة حفظ فيها القرآن الكريم صغيرًا، قبل أن يشدّ الرحال إلى القاهرة ليلتحق بجامعة الأزهر الشريف، حيث بدأت رحلته مع العلم والعلماء.

يوم من حياة إمام

جرت العادة أن نقرا في أيام من حياة الأئمة، لكن السطور وإن كان الإرث غزير، يسعها الآن أن تكتب عن يوم في حياة الراحل الدكتور أحمد عمر هاشم، فمن من المواقف المؤثرة في حيته  ما رواه بنفسه عن رؤياه للنبي ﷺ في المنام أثناء دراسته بالسنة الرابعة بكلية أصول الدين، حيث رآه يطوف حول الكعبة، فطاف خلفه، فكانت تلك الرؤيا نقطة تحول في حياته. وأخبره والده حينها أن هذا بشير خير، ودعاه إلى أن يتخصص في حديث النبي ﷺ، وهو ما تحقق فعلًا، فصار أحد أعلام هذا العلم في العالم الإسلامي. وبعد أيام من تلك الرؤيا، تم اختياره لأداء فريضة الحج لأول مرة عام 1967، وكانت كما وصفها “رحلة ذات مذاق روحاني عظيم”.

مسيرة علمية

تخرج الدكتور أحمد عمر هاشم في كلية أصول الدين عام 1961م، وحصل على الإجازة العالية في الحديث وعلومه عام 1967، ثم نال درجة الماجستير عام 1969 والدكتوراه في الحديث وعلومه، حتى رُقي إلى درجة الأستاذية عام 1983م. لم يكن مجرد باحث أكاديمي، بل كان عالمًا ربانيًّا جمع بين العلم والعمل، وبين الفقه في الدين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. 

مناصب ومهام قيادية

تولى الدكتور أحمد عمر هاشم العديد من المناصب العلمية والقيادية، من أبرزها رئاسة جامعة الأزهر عام 1995م، وعضوية مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء في تشكيلها الأول عام 2012، إلى جانب عضويته في مجلسي الشعب والشورى، حيث كان صوتًا للعقل والاعتدال. ترك وراءه إرثًا علميًا زاخرًا بالمؤلفات والبحوث في علوم الحديث والسيرة النبوية والدعوة الإسلامية.

أهم مؤلفات الدكتور أحمد عمر هاشم

فيما يلي أبرز مؤلفات العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم التي أثرت المكتبة الإسلامية وعبّرت عن جهده الكبير في خدمة الحديث الشريف والسيرة النبوية والفكر الوسطي:

  • فيض الباري في شرح صحيح البخاري: شرح موسّع لصحيح الإمام البخاري، تناول فيه الأحاديث بالتحليل والشرح اللغوي والمعنوي.
  • من هدى السنة النبوية: دراسات في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، تُبرز القيم الأخلاقية والتشريعية في سنته.
  • دفاع عن الحديث النبوي: مؤلف تناول فيه حجية السنة النبوية، وردّ على الشبهات التي أُثيرت حولها عبر العصور.
  • في رياض السيرة النبوية: استعرض من خلاله سيرة النبي محمد ﷺ بدءًا من العهد المكي حتى تمام الرسالةالنفس في القرآن الكريم: دراسة قرآنية يقدم فيها شرحًا وافيًا لمفهوم النفس البشرية وأقسامها في ضوء القرآن.
  • نهج البردة: كتاب في شرح وتفسير قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي الشهيرة نهج البردة، وهي من أعظم القصائد في مدح النبي ﷺ.
  • الإسلام وبناء الشخصية: دراسة مستوحاة من الكتاب والسنة حول تكوين الإنسان المسلم المتوازن روحًا وعقلًا وسلوكًا.
  • مناهج المحدثين: تناول فيه المراحل التاريخية التي مرت بها السنة النبوية، وبيّن جهود العلماء في حفظها وتدوينها.

كما ألّف أيضًا عددًا من الكتب الأخرى التي تعالج قضايا اجتماعية وفكرية مهمة، منها:

  • التضامن في مواجهة التحديات
  • الأسرة في الإسلام
  • المرأة في الإسلام
  • مباحث في الحديث الشريف
  • القرآن وليلة القدر
  • قصص السنة

هذه المؤلفات تمثل جانبًا من الإرث العلمي الثري الذي خلّفه الدكتور أحمد عمر هاشم، والذي أسهم من خلاله في ترسيخ منهج الأزهر الوسطي ونشر الفكر الإسلامي الصحيح في العالم العربي والإسلامي.

عُرف الدكتور أحمد عمر هاشم بخطابه الوسطي المتزن، ودفاعه الدائم عن الفكر الأزهري القائم على الاعتدال ونبذ الغلو والتطرف، فكان بحق رمزًا من رموز الإسلام المستنير، حارسًا لسنة رسول الله، مثالًا للعالم العامل الذي يربي الأجيال على محبة الدين بالحكمة والعلم.

يرحل الجسد وتبقى السيرة، يرحل السائر ويبقى المسير، يبقى العلم على أيدي تلاميذه امتدادًا داخل صرح اسمه الأزهر، منارة في الدين والدنيا. يقول الحكماء: “إذا مات العالم بكاه الحوت في الماء والطير في الهواء ويُفقد وجهه ولا يُنسى ذكره”، وها هو فقدناه فبكاه تلاميذه، ويفقّده كل باحث مستنير في إرثه الذيه تركه، فاللهم ارحمه وتقبَّله.