في ذكرى معركة الكرامة.. لماذا ألغت سوريا "الشرع" احتفالات نصر أكتوبر 2025؟

لطالما احتفلت سوريا بيوم نصر أكتوبر باعتباره رمزًا للتضامن العربي والوحدة القومية، إذ مثلت حرب أكتوبر عام 1973 لحظة تاريخية جمعت الجيش السوري مع الجيش المصري في مواجهة مشتركة، كانت بمثابة إعادة اعتزاز للعرب بنصرهم واستعادة كرامتهم بعد سنوات من الهزائم. احتفال سوريا بهذه المناسبة كان يُظهر روح التعاون العربي المشترك، ويجمع السوري والمصري في ذكرى مجيدة تتجاوز الحدود الوطنية، مؤكدًا على القيم القومية والوطنية في آن واحد.

غير أن الاحتفال بهذا اليوم لم يقتصر على رمزيته العسكرية فحسب، بل كان يعكس أيضًا شعور السوريين بالانتصار والمشاركة في اللحظة التاريخية مع شقيقهم العربي، في إطار وحدة سياسية وثقافية، حيث كانت الاستعراضات العسكرية والفعاليات الرسمية جزءًا من هذا التراث الاحتفالي. لكن القرار الجديد بإلغاء هذه العطلة أثار تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس أحمد الشرع يسعى لفتح صفحة جديدة في التاريخ الوطني السوري أم أن هناك دوافع سياسية واجتماعية أخرى وراء هذا التغيير.
إفادة رسمية
كانت أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن الرئيس السوري أحمد الشرع أصدر اليوم الأحد المرسوم رقم 188 لعام 2025، الذي يحدد قائمة العطلات والإجازات الرسمية في البلاد، متضمنًا إلغاء عطلة واحتفالات السادس من أكتوبر، إضافة إلى إلغاء احتفالات عيد الشهداء. يأتي هذا القرار ضمن حزمة من القرارات التنظيمية الرامية إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية بعد فترة طويلة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية، وتأكيدًا على ما وصفه الشرع بـ "مرحلة البناء والتشارك الوطني".

وأكد الرئيس أحمد الشرع، في بيان رسمي، أن سوريا "تطوي صفحة الحرب والفوضى"، مشددًا على أن المرحلة المقبلة ستركز على إعادة الإعمار وإرساء أسس دولة مدنية قوية قائمة على العمل والإنتاج. وأضاف أن إعادة تنظيم الأعياد الوطنية والدينية تأتي في إطار رؤية جديدة لترشيد الإنفاق، وتوحيد المناسبات ذات الطابع الوطني الجامع، بما يعكس تحولًا في أولوية الدولة من رمزية الانتصارات العسكرية إلى التركيز على التنمية والاستقرار.
الأعياد الرسمية الجديدة في سوريا لعام 2025
- عيد الفطر السعيد: ثلاثة أيام
- عيد الأضحى المبارك: أربعة أيام
- رأس السنة الهجرية: يوم واحد
- المولد النبوي الشريف: يوم واحد
- رأس السنة الميلادية (1 يناير): يوم واحد
- عيد الميلاد (25 ديسمبر): يوم واحد
- عيد الأم (21 مارس): يوم واحد
- عيد الجلاء (17 أبريل): يوم واحد
- عيد الفصح للطوائف الشرقية: يوم واحد
- عيد الفصح للطوائف الغربية: يوم واحد
- عيد العمال (1 مايو): يوم واحد
- عيد الثورة السورية (18 مارس): يوم واحد
- عيد التحرير (8 ديسمبر): يوم واحد
وأكد المرسوم أن الثامن عشر من مارس (ذكرى انطلاق الثورة السورية) والثامن من ديسمبر (يوم التحرير) يُعتبران عيدين وطنيين رسميين تُعطل فيهما مؤسسات الدولة، في خطوة تعكس إعادة صياغة الذاكرة الوطنية بما يتناسب مع مرحلة الاستقرار والتنمية المقبلة.
أصوات انتقدت القرار
أثار قرار الرئيس السوري أحمد الشرع بإلغاء العطلة الرسمية لذكرى حرب أكتوبر 1973 جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية العربية. فقد دان الشيخ سعد الفقي، وكيل وزارة الأوقاف المصري الأسبق والباحث الإسلامي، القرار واصفًا إياه بـ "جريمة مكتملة الأركان"، مؤكدًا أن تاريخ الدول لا يُمحى بتغير الأنظمة، وأن مناسبات مثل حرب تشرين وعيد الشهداء ملك لجميع السوريين قديمًا وحديثًا. ورأى الفقي أن القرار يعكس محاولة للانحياز إلى مصالح خارجية، داعيًا الدول العربية والإسلامية إلى شجب القرار، مؤكدًا أن الحكومات لا ينبغي أن تهدم تاريخها ونجاحاتها الوطنية.

من جانبها أكدت الإعلامية لميس الحديدي أن هذا القرار السوري لا يمحو تضحيات الجيش السوري وذكرى مشاركة قواته جنبًا إلى جنب مع الجيش المصري، معتبرة أن التاريخ يبقى شاهدًا على البطولة، وأن يوم 6 أكتوبر سيظل يوم نصر واحتفالًا في مصر. كذلك انتقد الإعلامي نشأت الديهي القرار بشدة، واعتبر أن إلغاء الاحتفالات في سوريا ينسجم مع الرواية الإسرائيلية التي تقلل من قيمة النصر، مما أثار حزنًا واستياءً لدى المواطنين العرب.
آراء إعلامية أخرى ترى بأن المقرر كمن يريد أن يطفئ شعلة النصر في الذاكرة، وأن يطمس حقيقة الارتباط العربي الذي جمع مصر وسوريا ذات يوم تحت راية واحدة، لافتا إلى أن أخطر ما في مشهد اليوم ليس تفجيرا يهزّ جدران مدينة، ولا قرارا يُطفئ شعلة احتفالٍ في دمشق أو في القاهرة، بل هو تفجيرٌ في الوعي الجمعي، ومحاولةٌ لاغتيال الذاكرة الوطنية. فحين يُمحى من الذاكرة معنى النصر، يُمحى معه الإحساس بالقدرة، وحين يُشوَّه معنى الفرح الوطني، تتصدّع الثقة في الذات. وعلى الوجه الأكدايمي السياسي شكك الباحث المصري في التاريخ العسكري أحمد زايد في دور القيادة السورية في تحقيق الانتصار على الجبهة السورية خلال حرب أكتوبر، مشيرًا إلى تغييرات مفاجئة في الخطط العسكرية وانسحاب القوات من مواقع استراتيجية دون مبرر.
السوريون أنفسهم
وفقًا لقراءات وتقارير إعلامية، تعكس خطوات الرئيس السوري أحمد الشرع الأخيرة توجه الدولة نحو إعادة صياغة الهوية الوطنية بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة من التحوّل السياسي والاجتماعي، مع التركيز على تثبيت رموز الثورة والتغيير بدلًا من رموز الماضي. يحمل القرار أبعادًا سياسية ورمزية حادة، إذ لم تمض سنوات قليلة على ذكرى حرب تشرين التي كانت تمثل لدى أجيال السوريين رمزًا للمقاومة والانتصار ورافعة للخطاب القومي في مواجهة إسرائيل، في حين كان عيد الشهداء يُجسد حالة إجماع وطنية وتضحيات آلاف السوريين على مدى عقود. الاستغناء عن هذه المناسبات أثار نقاشًا واسعًا حول توجهات القيادة الجديدة لكتابة سردية تاريخية معاصرة تبدأ من الثورة ولا تعود إلى الوراء، وهو ما اعتبره البعض قطيعة رمزية مع حقبة الأسد السابقة، بينما رأى آخرون أن القرار يمثل بداية مرحلة "سيادة الحيوية الثورية" والتقدم الاجتماعي على حساب ذاكرة الحرب والدولة الشمولية.
على الصعيد الشعبي والإعلامي، تباينت ردود الأفعال عقب إعلان القرار؛ إذ رحب العديد من الشباب والنخب المشاركة في المشروع الوطني الجديد بهذه الرمزية، معتبرين أن تخليد الثورة والتحرير أولى من حصر الماضي في رموز تقليدية مرتبطة بالحروب والصراعات القديمة. في المقابل، عبّر قسم من المواطنين، لا سيما قدامى العسكريين وعائلات الشهداء، عن أسفهم لـ”اختفاء يوم الشرف من ذاكرة الدولة”، معتبرين أن ذلك يشكل نوعًا من العقاب المزدوج للجنود والشهداء على مر الزمن، وهو ما يعكس حجم الانقسام حول إعادة تعريف الرموز الوطنية في سوريا الحديثة.
لكن نقطة تثير الانتباه أن القرار، رغم أثره الرمزي الكبير، لم يرافقه أي حراك شعبي واسع أو احتجاجات بارزة داخل سوريا، ما يعكس صمتًا شبه مطلق في المشهد الإعلامي والشعبي. هذا الهدوء النسبي يشي بنظام يهيمن على الرموز والذاكرة الوطنية بطريقة تجعل الأصوات المعارضة قليلة أو خافتة جدًا. كما يوحي بأن الخطاب الرسمي أصبح هو المهيمن بلا منازع، فيما تبقى ملامح أي نقاش علني حول السياسة الرمزية أو التاريخية شبه معدومة. باختصار، المشهد يوحي بسيطرة شبه كاملة على السردية الوطنية، حيث تُخفى الأصوات المستقلة أو المعارضة تقريبًا.

ختامًا، ما ثير فضول قرَّاء المشهد، أنَّ هذه القرارات تمرّ شعبيًا وغعلاميًا دوليًا مرور الكرام، وكأنَّ حاجزصا ما قد حصر هذه الاستغراب والاستهجان في واقع إعلامي إقليمي متواضع وإن رارتفع مستواه الشعبي؛ ليثير تساؤلات حول موقف سوريا “الشرع” بعد لقاء رئيسها الجديد مع الرئيس الأمريكي ترامب، وتفاؤل الأخير به، وسؤال تتضح إجابته قريبًا “ربَّما”:
لماذا ألغت سوريا "الشرع" احتفالات نصر أكتوبر 2025؟