بالكتيبة والكتاب.. كيف وثّق الراحل لطفى لبيب تجربته من واقع بطولات أكتوبر التي عايشها؟

تقارير وحوارات

كيف وثّق الراحل لطفى
كيف وثّق الراحل لطفى لبيب تجربته من واقع بطولات أكتوبر؟

يشتهر الراحل لطفي لبيب بكونه كوميديان من طراز فريد، بسوم لدرجة البشاشة، مضحك لدرجة القهقهة، توحي لك تفاصيل وجهه بتجاعيدها أنَّك أمام قنبلة من السعادة التي لا تنطفئ. لكن خلف الوجوه حكايا، وكل واحدة من هذه الحكايا ربما تصدمك حدّ الذهول، لكن هذه الصدمة مع الكوميديان صدمة وطنية من العيار الأصيل.

تحل ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، التي سطر فيها أبطال مصر ملاحم خالدة، ومن بينهم الفنان الراحل لطفى لبيب الذي لم يكن مجرد نجم على الشاشة، بل كان جنديًا مقاتلًا في صفوف الكتيبة 26 مشاة، إحدى أوائل الكتائب التي عبرت خط بارليف في حرب أكتوبر 1973، وشاركت في مهاجمة النقاط القوية للعدو الإسرائيلي.

ذكريات الحرب التي ظلت محفورة

خاض الفنان الراحل لطفي لبيب تجربة استثنائية في حياته، إذ جمع بين البطولة على أرض المعركة والإبداع على خشبة المسرح وشاشة السينما. فقد كان أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، مقاتلًا في صفوف الكتيبة 26 مشاة، التي كانت من أوائل الكتائب التي عبرت خط بارليف، وشاركت في تحرير الأرض من العدو الإسرائيلي. كان لبيب مثالًا للجندي المصري الشجاع، الذي عاش تفاصيل الحرب بكل ما فيها من صعوبات وتحديات، مؤمنًا بأن النصر لا يأتي إلا بالتضحية والصبر والإيمان.

وخلال تصريحات سابقة مع وسائل الإعلام، استعاد لبيب ذكريات الحرب التي ظلت محفورة في وجدانه، مؤكدًا أن أجواء القتال لا تُنسى، وأن من عاشها يدرك حقًا معنى التضحية. وروى تفاصيل حصار دام أكثر من 130 يومًا، حين انقطعت الإمدادات عن الجنود، قبل أن تصله هدية صغيرة من أحد الأئمة في الجبهة، جركن مياه في عيد 7 يناير، قال عنها: "تلك اللحظة لا تُنسى، فهي رمز لوحدة المصريين في أحلك الظروف." كانت تلك التجربة بالنسبة له درسًا في الصمود والإنسانية، ظل يتحدث عنها بفخر حتى آخر أيامه.

بعد انتهاء خدمته العسكرية التي استمرت ست سنوات، قرر لبيب العودة إلى شغفه الأول، الفن، ليبدأ رحلة جديدة من النضال ولكن على طريق الإبداع. استطاع بموهبته وأدائه المميز أن يثبت مكانته في الساحة الفنية، وشارك في أكثر من مائة فيلم وثلاثين عملًا دراميًا، تعاون خلالها مع كبار النجوم، منهم عادل إمام، حسن حسني، أحمد مكي، ومي عز الدين. كانت شخصياته دائمًا تحمل عمقًا إنسانيًا وبصمة خاصة تجعل الجمهور يتذكرها مهما مر الزمن.

ومن أبرز محطاته الفنية مشاركته مع الزعيم عادل إمام في فيلم "السفارة في العمارة"، حيث قدم دور السفير الإسرائيلي باحتراف كبير رغم قلة مشاهده، مؤكدًا أن الدور كان محوريًا في مسيرته الفنية. كما وثّق بطولاته في كتابه "الكتيبة 26" الذي روى فيه تفاصيل معارك أكتوبر وما شهده من بطولات حقيقية لجنود مصر. وهكذا ظل لطفى لبيب نموذجًا للفنان المقاتل، الذي حمل البندقية في الحرب والقلم والفن في السلام، ليخلّد اسمه في ذاكرة الوطن.

الكتيبة 26.. بطولات الرفاق

وثّق الفنان الراحل لطفي لبيب تجربته العسكرية في كتابه "الكتيبة 26"، الذي سجّل فيه بطولات رفاقه في سلاح المشاة خلال حرب أكتوبر المجيدة، مستعرضًا تفاصيل المعارك واللحظات الإنسانية التي عاشها الجنود على الجبهة. كان حلمه أن تتحول تلك البطولات إلى أعمال فنية تروي للأجيال القادمة قصص الشجاعة والتضحية التي صنعت النصر، مؤكدًا أن الفن الحقيقي هو الذي يستمد روحه من الواقع ويُخلّد تاريخ الوطن.

وبين ميادين القتال وكواليس الفن، ظل لطفي لبيب نموذجًا فريدًا للفنان المقاتل الذي جمع بين الصلابة والإبداع، فحمل السلاح دفاعًا عن بلده، ثم حمل الرسالة الفنية ليعبر بها عن قيم الانتماء والوطنية. ترك بصمته في القلوب بأدواره الصادقة ومواقفه النبيلة، لتبقى سيرته شاهدًا على جيل قاتل من أجل الأرض، وأبدع من أجل أن تظل مصر حاضرة في الذاكرة والوجدان.