كينيا تُعيد إحياء مشروع سد نهر تانا: التكلفة والأهمية

في خطوة تُجسّد طموح كينيا لتعزيز أمنها الطاقوي وتحقيق تنمية مستدامة في قطاعات الري والزراعة، أعلنت الحكومة الكينية عن إعادة إحياء مشروع سد نهر تانا الكبير، أحد أضخم مشاريع البنية التحتية في تاريخ البلاد، بعد سنوات من التوقف.
ويُقدّر أن تصل تكلفة المشروع بين 2.7 و3 مليارات دولار، فيما تبلغ قدرته الإنتاجية المتوقعة نحو 700 ميغاوات من الكهرباء، ما يجعله من أكبر مشاريع الطاقة الكهرومائية في شرق إفريقيا.
خلفية المشروع
يُعد نهر تانا أطول أنهار كينيا، ويمتد لمسافة تتجاوز ألف كيلومتر من جبال أبردير حتى الساحل الشرقي للمحيط الهندي. وتضم مجراه عدة سدود صغيرة ومتوسطة أُنشئت منذ ستينيات القرن الماضي لتوليد الكهرباء والري، لكن مشروع سد تانا الكبير يُمثل نقلة نوعية في توظيف موارد النهر ضمن خطة كينيا الوطنية للطاقة 2030.
وقد تم طرح المشروع لأول مرة قبل أكثر من عقد، غير أن عقبات التمويل والبيئة والمجتمعات المحلية حالت دون تنفيذه. ومع تحسن الوضع الاقتصادي وارتفاع الطلب المحلي على الطاقة، تعمل الحكومة بالتعاون مع شركاء دوليين — بينهم الصين والبنك الإفريقي للتنمية — على إعادة تنشيط المشروع ضمن استراتيجية شاملة للبنية التحتية.
الأهداف والفوائد الإستراتيجية
يركز المشروع على تحقيق مجموعة من الأهداف التنموية والاقتصادية، من أبرزها:
1. توليد الطاقة الكهربائية:
زيادة إنتاج الكهرباء بنحو 700 ميغاوات، بما يغطي جزءًا كبيرًا من الطلب الوطني، ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
2. دعم الزراعة والري:
توفير مصدر دائم للمياه للري في المناطق الزراعية المحيطة، وتحسين إنتاجية الأراضي، خصوصًا في دلتا تانا الغنية بالمحاصيل.
3. التحكم في الفيضانات:
تقليل مخاطر الفيضانات الموسمية التي تتسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة سنويًا.
4. تعزيز الطاقة النظيفة:
المساهمة في تحقيق أهداف كينيا في مجال التحول الأخضر، عبر التوسع في الطاقة الكهرومائية بوصفها مصدرًا نظيفًا ومستدامًا.
5. تحفيز التنمية المحلية:
المشروع سيسهم في إنشاء طرق وجسور ومرافق خدمية جديدة، وتوفير فرص عمل أثناء مرحلة التنفيذ والتشغيل.
الآثار البيئية والاجتماعية
ورغم الفوائد المتوقعة، إلا أن المشروع يثير مخاوف بيئية وإنسانية معتبرة:
تراجع تدفق المياه إلى دلتا نهر تانا، ما قد يؤدي إلى جفاف الأراضي الرطبة وتدهور النظم البيئية الحساسة التي تُعد موطنًا لمئات الأنواع من الطيور والحيوانات.
انخفاض الرواسب الطبيعية، ما يُسبب تآكل التربة الساحلية ويؤثر على إنتاجية الأراضي الزراعية.
تأثر المجتمعات المحلية، إذ يُحتمل أن يؤدي إنشاء السد إلى تهجير آلاف السكان من مناطقهم، وتغيير نمط حياتهم القائم على الزراعة والصيد.
تراجع التنوع البيولوجي بسبب التغيرات في النظام المائي ودرجات الحرارة في مجرى النهر.
وبناءً على ذلك، تطالب منظمات بيئية كينية ودولية الحكومة بضمان إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي والاجتماعي بدقة، ووضع آليات تعويض عادلة للمجتمعات المتأثرة.
الأبعاد الاقتصادية والإقليمية
يمثل مشروع سد نهر تانا نقطة تحول في الاقتصاد الكيني، إذ سيساهم في خفض تكلفة الطاقة وتشجيع الاستثمارات الصناعية والزراعية، ويعزز مكانة كينيا كـ "مركز طاقة" في شرق إفريقيا.
كما يتوقع أن يفتح المشروع الباب أمام تعاون إقليمي جديد في مجال إدارة الموارد المائية المشتركة، خاصة مع دول حوض نهر تانا والمحيط الهندي.
في النهاية إعادة إحياء مشروع سد نهر تانا تعكس رؤية كينيا لبناء اقتصاد متوازن بين التنمية والطبيعة، لكنه في الوقت ذاته يفرض تحديات تتعلق بضرورة تحقيق توازن دقيق بين الطاقة والبيئة والعدالة الاجتماعية.
ويبقى نجاح المشروع مرهونًا بقدرة الحكومة على ضمان استدامة الموارد المائية وحماية النظم البيئية، إلى جانب تنفيذ سياسات تنموية عادلة وشاملة للمجتمعات المحلية.