مباراة غيرت التاريخ.. كيف ساهمت الكرة المصرية فى حرب أكتوبر المجيدة؟

منوعات

انتصارات اكتوبر
انتصارات اكتوبر

52 عامًا مرت على نصر أكتوبر المجيد، ولا تزال ذكرى السادس من أكتوبر 1973 خالدة في وجدان المصريين، باعتبارها ملحمة بطولية صنعتها الإرادة المصرية بإصرار وعزيمة لا تلين. 

كانت تلك الحرب نقطة تحول فاصلة في تاريخ الأمة العربية، حيث سطر فيها الجيش المصري أنصع صفحات المجد والشرف، وتمكن من استعادة الكرامة والأرض المسلوبة بعد سنوات من الاحتلال.

لم يكن نصر أكتوبر العظيم وليد اللحظة، بل ثمرة إعداد طويل وتخطيط دقيق شارك فيه الجيش والشعب جنبًا إلى جنب، في وقت كانت فيه مصر تبحث عن استعادة الثقة بعد نكسة 1967. فكل مصري، مهما كان موقعه، كان جنديًا في معركة الكرامة — من المقاتلين على الجبهة إلى العاملين في المصانع، ومن الإعلاميين إلى الرياضيين، وفي مقدمتهم لاعبو كرة القدم الذين كان لهم دور لا يُنسى في هذا النصر العظيم.

كرة القدم.. سلاح خداع في معركة العبور

قد لا يتخيل البعض أن كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في مصر، كانت جزءًا من خطة التمويه والخداع التي سبقت العبور العظيم. إلا أن الواقع يؤكد أن الدولة المصرية استغلت الدوري العام لكرة القدم عام 1973 كوسيلة لإقناع العدو بأن الحياة تسير بشكل طبيعي، وأن لا نية لدى مصر لخوض حرب جديدة.

ففي الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة تستعد سرًا للمعركة، كانت المدرجات تمتلئ بالجماهير، والملاعب تضج بهتافات التشجيع، والجرائد تمتلئ بأخبار المباريات وترتيب الفرق، في مشهد متقن خدع العدو الإسرائيلي وأوهمه بأن مصر بعيدة كل البعد عن التفكير في الحرب.

دوري 1973.. الموسم الذي بدأ بالحماس وانتهى بالعبور

بدأ موسم الدوري المصري لعام 1973 في موعده المعتاد، واستمر حتى الأسبوع الخامس، الذي انطلق يوم 5 أكتوبر — أي قبل يوم واحد فقط من اندلاع الحرب. أُقيمت في ذلك اليوم سبع مباريات كاملة، فيما كان من المقرر إقامة مباراتين إضافيتين في اليوم التالي، بين غزل المحلة والطيران، والإسماعيلي والمصري في ديربي القناة الشهير.

وبينما كانت القوات المصرية تبدأ عبورها العظيم لقناة السويس في الثانية ظهر السادس من أكتوبر، كان لاعبو غزل المحلة والطيران يتنافسون في آخر مباراة تُقام قبل توقف الدوري. لم يكن أحد في المدرجات أو على أرض الملعب يعلم أن في تلك اللحظة كانت طائرات مصرية تحلق فوق سيناء، وجنود يعبرون القناة تحت صيحات "الله أكبر" التي دوّت في السماء.

 

تفاصيل المباراة التاريخية.. حين امتزجت الهتافات بالانتصار

انطلقت مباراة غزل المحلة والطيران في الثانية والنصف ظهرًا، أي بعد نصف ساعة فقط من بدء العبور الفعلي لقواتنا المسلحة. وسارت المباراة بصورة طبيعية، حتى بدأت جماهير المحلة تهتف بشكل مفاجئ لفريق الطيران المنافس، مما أثار دهشة اللاعبين.

وخلال الاستراحة بين الشوطين، علم اللاعبون أن الجماهير قد سمعت عبر "الراديو" البيان الأول للقوات المسلحة الذي أعلن بداية الحرب وعبور الجنود المصريين قناة السويس بنجاح. عندها تحولت المدرجات إلى ساحة فرح وطنية، حيث علت الهتافات تحية للطيران الحربي المصري الذي كان يشارك في ضرب مواقع العدو في سيناء.

انتهت المباراة بالتعادل السلبي، لكنها بقيت واحدة من أكثر المباريات رمزية في تاريخ الكرة المصرية، لأنها كانت تُلعب في التوقيت نفسه الذي كانت فيه مصر تصنع مجدها العسكري على الضفة الشرقية للقناة.

إلغاء الدوري وتجنيد اللاعبين للمشاركة في المعركة

مع إعلان بدء الحرب، عقد الاتحاد المصري لكرة القدم اجتماعًا طارئًا وقرر إيقاف النشاط الكروي بالكامل. فتح العديد من الأندية أبوابها للفدائيين والمقاتلين للتدريب والمبيت، كما شارك عدد من لاعبي الأندية في دعم المجهود الحربي بطرق مختلفة، سواء في الجيش أو في التبرعات والمساندة المعنوية.

لم يُستأنف الدوري المصري إلا في الموسم التالي، لكن دوري 1973 ظل محفورًا في ذاكرة التاريخ كرمز وطني، ارتبط اسمه بانتصار أكتوبر المجيد. 

كانت كرة القدم حينها أكثر من مجرد رياضة، بل كانت جزءًا من نسيج الوطن الذي توحد خلف هدف واحد — استعادة الأرض والكرامة.

كرة القدم وحرب أكتوبر.. قصة وطن واحد

هكذا أثبتت كرة القدم المصرية أنها لم تكن بمعزل عن معركة المصير، بل كانت أحد ملامح الصمود والتحدي في وجه العدو. 

تحولت الملاعب إلى مسارح وطنية للخداع العسكري، والجماهير إلى طاقة دعم معنوي هائلة، واللاعبون إلى جنود في معركة لا تقل شرفًا عن ميادين القتال.

وبقيت مباراة غزل المحلة والطيران شاهدة على تلاقي الرياضة بالحرب، وعلى كيف يمكن لكرة القدم أن تكون جزءًا من التاريخ الوطني، لا مجرد لعبة تُلعب على العشب الأخضر، بل ملحمة أخرى من ملاحم أكتوبر المجيدة.