ما هي الكمية المسموح بها من الكحول دون ضرر؟

رغم أن بعض الدراسات القديمة أشارت إلى فوائد محتملة للكميات القليلة من الكحول، فإن الأبحاث الحديثة تُظهر أن الصورة أكثر تعقيدًا. فالكحول قد يبدو "صديقًا للقلب" عند جرعات محدودة، لكنه سرعان ما يتحوّل إلى خطر صامت على أعضاء الجسم كلها عند تجاوزه الحد المسموح.
هل توجد كمية آمنة من الكحول؟
وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية (WHO) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، لا يوجد مستوى آمن تمامًا لتناول الكحول. فحتى الكميات الصغيرة قد تترك أثرًا سلبيًا على الصحة مع مرور الوقت.
مع ذلك، يضع الخبراء ما يُعرف بـ "الحد الأدنى منخفض المخاطر" لتقليل الأضرار المحتملة، وهو:
للنساء: مشروب واحد قياسي يوميًا كحد أقصى
للرجال: مشروبان قياسيان يوميًا كحد أقصى
مع ضرورة وجود عدة أيام خالية من الكحول أسبوعيًا.
المشروب القياسي الواحد يعادل تقريبًا:
150 مل من النبيذ
350 مل من البيرة
لكن من المهم أن نتذكر: هذه الحدود تُقلل المخاطر فقط، ولا تُزيلها بالكامل.
لماذا تختلف قدرة الأشخاص على تحمل الكحول؟
ليست كل الأجسام تتفاعل مع الكحول بالطريقة نفسها. فالعوامل الوراثية والوزن والجنس وحالة الكبد وحتى بكتيريا الأمعاء تلعب دورًا في كيفية استقلاب الكحول داخل الجسم.
بعض الأشخاص من أصول شرق آسيوية يملكون تباينًا جينيًا يُبطئ تحلل الكحول، مما يزيد تراكم مادة الأسيتالديهيد السامة.
النساء عادةً لديهن مستويات أقل من إنزيم استقلاب الكحول، مما يجعلهن أكثر حساسية لتأثيراته حتى بكميات صغيرة.
بمعنى آخر، ما يُعتبر آمنًا لشخص قد لا يكون كذلك لآخر.
الكحول وصحة القلب: حقيقة أم خرافة؟
لطالما رُوّج لفكرة أن النبيذ الأحمر مفيد للقلب، نظرًا لاحتوائه على مضادات أكسدة مثل "الريسفيراترول". لكن أبحاثًا حديثة واسعة النطاق، منها دراسة نُشرت في مجلة The Lancet عام 2023، شككت في هذه الفرضية.
أشارت النتائج إلى أن حتى الشرب المعتدل يزيد من خطر:
ارتفاع ضغط الدم
اضطراب نبضات القلب
الإصابة بالسكتة الدماغية
وخلصت الدراسة إلى أن "المستوى الأكثر أمانًا لاستهلاك الكحول هو الصفر"، عند مقارنة المخاطر الإجمالية على الجسم.
كيف يؤثر الكحول على الدماغ والكبد؟
الكبد هو أول من يتحمل آثار الكحول، إذ يعمل على تفكيكه والتخلص من سُميّاته.
حتى من يشربون باعتدال قد يُظهرون ارتفاعًا طفيفًا في إنزيمات الكبد، ما يشير إلى توتر أو التهاب داخلي.
أما الدماغ، فهو يتأثر بشكل أعمق مما يظنه الكثيرون. فقد أظهرت دراسات تصويرية أن الكحول – حتى عند مستويات منخفضة – يمكن أن يقلّص حجم مناطق في الدماغ مسؤولة عن الذاكرة وضبط الانفعالات.
كما يُضعف الكحول جودة النوم ويؤثر على توازن الهرمونات والمناعة، وهو ما يجعله عامل خطر خفيًا حتى في غياب أعراض فورية.
ما هو "الاعتدال" الصحي فعلًا؟
الاعتدال لا يعني فقط التحكم في عدد الكؤوس، بل إعادة التفكير في السبب وراء الشرب.
يشرب البعض للاسترخاء أو الاحتفال، لكن هذه المشاعر يمكن تحقيقها بطرق أكثر أمانًا مثل:
ممارسة الرياضة
الاستماع للموسيقى
التأمل واليوغا
التواصل الاجتماعي الواعي
النهج الصحي هو أن يكون الشرب اختيارًا نادرًا ومدروسًا، وليس عادة يومية. فكل استراحة من الكحول تمنح الكبد والدماغ فرصة حقيقية للتعافي.