في يوم الاحتفال به.. المعلم في عصر الذكاء الاصطناعي: شريك أم بديل؟

في وقت تتسارع فيه أدوات الذكاء الاصطناعي لتدخل كل زاوية من زوايا الحياة التعليمية، يطرح سؤال بسيط لكنه ثقيل: هل يهدد الذكاء الاصطناعي مهنة التعليم؟ الجواب ليس مجرد "نعم" أو "لا"، بل مزيج من تغيّر الأدوار، فرص لتطوير المهنة، ومخاطر تتطلب سياسات وحماية للمعلّم والمتعلّم على حدٍّ سواء.
أين نحن الآن؟
سؤال منطقي يطرحه الكثيرون تجاه أي ظاهرة جديدة أو تبدو مستحدثة، لا سيما أدوات توليد النصوص والتدريبات الذكية والتي أصبحت قادرة على تقديم واجبات تدريبية، اختبارات مصغرة، وتصحيح أولي للواجبات. تقارير ومنظمات دولية تؤكد أن هذه الأدوات تُستخدم اليوم لدعم التدريس وليس لاستبداله كليًا.

يؤكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصار في أبريل 2024، على أهمية التطبيق المسؤول للذكاء الاصطناعي، من خلال معالجة قضايا مثل خصوصية البيانات وتكافؤ فرص الوصول. ويستهدف التقرير الذي جاء تحت عنوان تشكيل مستقبل التعلّم: دور الذكاء الاصطناعي في التعليم 4.0، صانعي السياسات والمربين، داعيًا جميع الجهات المعنية إلى التعاون لضمان دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة التعليم حول العالم بطريقة إيجابية تؤدي إلى تحسين النتائج للجميع، بما يدمج المهام بفعالية، دون إلغاء الدور الأصيل للمعلم.
في الوقت نفسه، تظهر دراسات منظمّات مثل اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي أن دمج الذكاء الاصطناعي يغير طبيعة مهام المعلم (مزيد من التركيز على التوجيه، الصحة النفسية، وتنمية المهارات) لكنه لا يلغي الحاجة إلى وجود معلم إنساني.
مبادئ مهنة المعلِّم في عهد الذكاء الاصطناعي
الروبوت لا يبني علاقة إنسانية
في تقرير اليونسكو الصادر عام 2023، تحت عنوان "AI and education: Promise and implications" أكَّد على ضرورة وضع المعلمين في مركز أي خطة لدمج الـAI، لأن العلاقات الإنسانية، وإرشاد القيم، وتنمية التفكير النقدي ليست مهامًا قابلة للأتمتة الكاملة.
تحرير وقت المعلم وليس إقالته بالضرورة
تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي وتقريراته عن Education 4.0، والتي تعني جموعة شاملة من المهارات والمواقف والقيم لإعداد المتعلمين الشباب لتحقيق الرفاه في اقتصادات المستقبل، تشير إلى أن الأدوات الذكية يمكنها تخفيف أعباء إدارية وتصحيحية مما يمنح المعلم وقتًا أكثر للتفاعل النوعي مع الطلاب.
قدرة الأنظمة على تقييم الأداء الأكاديمي قابلة للقياس، لكن بشروط
القياس الذكي للقدرات وتقييمات الذكاء الاصطناعي لا تعني أن نترك الحبل على الغارب للخوارزميات، هذا هو تمامًا التعامل المنطقي مع كل مستحدث، لا سيما ما يتصل بإعداد وتقييم من يربون أجيالًا مستقبلية من أبناءنا. فالدراسات والأبحاث وحتى المشروعات الحديثة اختبرت أداء أنظمة الـAI مقابل اختبارات دولية وأظهرت إمكانيات لكنها أيضًا نبّهت لقيود دقيقة تتطلب إشرافًا بشريًا.
أولوية التدريب والسياسات
مؤسسات مثل Brookings، وهو مركز أبحاث أمريكي يُجري دراسات ويقدّم الجديد في مجال العلوم الاجتماعية، وخاصة في علم الاقتصاد، تعمل على إبراز الحاجة لإعداد أطر سياساتية وتدريبية للمعلمين لضمان تكامل المسؤولية والأخلاقيات في استخدام الأدوات.
اللامساواة الرقمية خطر حقيقي
تقارير دولية تشير إلى أن فوائد AI قد تكون غير متساوية بين البلدان والمدارس ما لم تُسنّ سياسات لضمان وصول البنى التحتية والتدريب.

ماذا يعني ذلك للمعلم العربي والبيئة المدرسية المحلية؟
تكيّف المهنة بدل الهروب منها: المعلّمون يحتاجون دورات تأهيلية للذكاء الاصطناعي (كيفية استخدام أدوات توليد المحتوى، أدوات التقييم الذكي، وفهم الخوارزميات)، إضافة إلى دعم إداري لتحويل المهمة من مجهود روتيني إلى دور إرشادي وتربوي.
أولوية الأخلاقيات والخصوصية: استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يستلزم سياسات لحماية بيانات الطلاب ومراعاة التحيز الخفي في النماذج. المؤسسات التعليمية يجب أن تعتمد مبادئ الشفافية والمساءلة.
فرصة لتقليل العبء الإداري: من تصحيح الاختبارات إلى إنتاج موارد مبدئية، وبهذا يمكن يمكن للـAI أن يوفر ساعات عمل كبيرة إن نُفذت بشكل مسؤول.

توصيات لا بد من الانتباه إليها
توصي التقارير الحديثة، مثل تقرير Brookings، بضرورة تنفيذ تدريب فوري ومكثّف للمعلمين على أدوات الذكاء الاصطناعي التعليمية عبر ورش عمل مركّزة ومنصات تعلم عن بُعد، لضمان الاستخدام الفعّال والسريع لهذه التقنيات داخل الفصول الدراسية. كما تؤكد Table Media على أهمية وضع سياسات شفافة لإدارة البيانات داخل المدارس، بما يشمل منع مشاركة أي بيانات حساسة دون موافقة مسبقة، حمايةً لخصوصية الطلاب والمعلمين.
وفي الاتجاه ذاته، يشدد المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) على أن يُدمج الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة للتعليم وليس بديلًا عن المعلم، مع التركيز على تصميم مناهج تُنمّي مهارات التفكير النقدي والتعاون الإنساني. وأخيرًا، تدعو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى مراقبة الأداء التعليمي باستخدام بيانات موضوعية لقياس أثر أدوات الذكاء الاصطناعي على تحصيل الطلاب، مع الحفاظ على دور التدخل البشري المستمر لضمان العدالة والدقة في التقييم.
بهذا فالذكاء الاصطناعي لا يكتب فصلًا نهائيًا لمهنة التدريس، لكن الأرجح أنه يعيد تشكيلها من جانب بعض المهام الروتينية المطلوب أتمتتها أي أن تكون آلية، وبعض الفرص الجديدة التي ستظه.
الكلمة العاقلة والفصل في هذا المنحى، إنَّ الدور الإنساني للمعلّّم كموجِّه وفاحص للقيم ومنمّي للمهارات الحياتية، بصفته الإنسان سيبقى النقطة الفارقة، فالمطلوب من صانعي القرار والحكومات إعداد معلِّم يليق لهذا التحُّول الفريد بدلًا من أن يكتشفه متأخرًا.