قضية التعديات على النيل جزء من الأزمة.. والسودان خاسر أكبر

بين إدارة مصر للأزمة وتضرر سد الروصيرص.. تأثيرات فيضان السد الإثيوبي المفتعل

تقارير وحوارات

بين إدارة مصر للأزمة
بين إدارة مصر للأزمة وتضرر سد الروصيرص.. تأثيرات الفيضان

أصدرت وزارة الموارد المائية والري بيانًا رسميًا، نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء على موقع فيسبوك، تناولت فيه تطورات فيضان نهر النيل لعام 2025 والتصرفات الأحادية من جانب إثيوبيا في إدارة سد النهضة. البيان أشار إلى أن هذه الممارسات افتقرت إلى القواعد الفنية والشفافية، وتسببت في آثار سلبية على دول المصب، لا سيما السودان.

فيضان غير طبيعي

أوضحت الوزارة أن نهر النيل ينبع من ثلاثة روافد رئيسية: النيل الأبيض، النيل الأزرق، ونهر عطبرة. ويأتي فيضان النيل الأزرق بين شهري يوليو وأكتوبر، وتبلغ ذروته عادة في أغسطس. ووفقًا للبيانات الرسمية، فإن الفيضان هذا العام أعلى من المتوسط بنسبة 25%، لكنه أقل من العام الماضي.

غير أن ما حدث في سبتمبر 2025 لم يكن مرتبطًا بالفيضان الطبيعي. فقد خفض مشغلو السد الإثيوبي التصريفات المائية يوم 8 سبتمبر إلى 110 ملايين متر مكعب يوميًا، بعد أن كانت نحو 280 مليون متر مكعب، تمهيدًا للوصول إلى منسوب 640 مترًا فوق سطح البحر. وفي 9 سبتمبر جرى فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة خلال ما سُمّي "احتفال افتتاح السد".

تصريفات مفاجئة

بعد يوم واحد من الاحتفال، تم تصريف 485 مليون متر مكعب من المياه في يوم واحد. ثم تلت ذلك زيادات غير مبررة في التصريفات، وصلت إلى 780 مليون متر مكعب يوم 27 سبتمبر، قبل أن تنخفض إلى 380 مليون متر مكعب يوم 30 من الشهر ذاته. هذه التغيرات أدت إلى انخفاض منسوب السد بما يقارب مترًا واحدًا، أي ما يعادل نحو ملياري متر مكعب من المياه.

أرقام لا تكذب

أوضحت وزارة الموارد المائية والري في بيانها أن إدارة السد الإثيوبي خلال فيضان 2025 خالفت القواعد العلمية والفنية المتعارف عليها في تشغيل السدود الكبرى. فبدلًا من التخزين التدريجي والتصريف المنظم، لجأت إثيوبيا إلى تخزين كميات كبيرة ثم تصريف مفاجئ وغير مبرر، وهو ما أدى إلى تقلبات حادة في التصرفات المائية.
الجدول التالي يوضح بصورة مقارنة الفارق بين ما كان متوقعًا من الناحية الفنية وبين ما قامت به إثيوبيا على أرض الواقع:

التاريخالإجراء المتوقع/الفنيالإجراء الفعلي من إثيوبيا
بداية يوليو – نهاية أكتوبر (متوقع)تخزين تدريجي + تصريف منتظم لتوليد الكهرباء وحماية دول المصبتخزين كميات كبيرة دفعة واحدة بعيدًا عن القواعد الفنية
نهاية أغسطس (فعلي)استمرار التخزين التدريجي دون تجاوزاتتخزين أكبر من المتوقع + تقليل التصريف
8 سبتمبر 2025تصريف نحو 280 مليون م³/يوم بشكل منظمخفض التصريف إلى 110 مليون م³/يوم
9 سبتمبر 2025تشغيل منظم ومتوازن للمفيضفتح المفيض لفترات قصيرة للاستعراض الإعلامي
10 سبتمبر 2025تصريف منتظم ومتدرجتصريف 485 مليون م³ في يوم واحد
27 سبتمبر 2025تصريف تدريجي متوازنزيادة مفاجئة في التصريف إلى 780 مليون م³
30 سبتمبر 2025استمرار التصريف المنتظم دون تذبذبات حادةانخفاض التصريف إلى 380 مليون م³ مع هبوط منسوب السد مترًا (≈ 2 مليار م³ من المياه المخزنة)

خسائر السودان

بيّنت الوزارة أن هذه الكميات الكبيرة وغير المتوقعة التقت مع ارتفاع إيراد النيل الأبيض واختلاف مواعيد سقوط الأمطار داخل السودان، وهو ما أدى إلى غمر مساحات من الأراضي الزراعية وعدد من القرى. واضطر سد الروصيرص إلى تمرير أغلب هذه المياه بسبب محدودية سعته التخزينية، حفاظًا على أمانه. وأشارت تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن السودان تكبد خسائر واسعة نتيجة هذه الظروف.

إدارة مصر للأزمة

من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية والري أن إدارة الموقف المائي في مصر تتم بصورة ديناميكية قائمة على الرصد اللحظي باستخدام أحدث النماذج الرياضية. وتتم متابعة التوقيتات المناسبة للتصرفات المائية بما يضمن تلبية الاحتياجات الزراعية وتوليد الكهرباء والحفاظ على الأمن المائي. وأوضحت أن السد العالي بإمكاناته التخزينية يمثل الضمانة الأساسية لحماية مصر من تقلبات النيل.

كما أشارت الوزارة إلى اتخاذ إجراءات استباقية، شملت مخاطبة المحافظين في 7 سبتمبر 2025 لتنبيه المواطنين بضرورة توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات لحماية ممتلكاتهم الواقعة على أراضي طرح النهر.

التعديات على النيل

أوضحت الوزارة أن الأراضي التي غمرتها المياه مؤخرًا تقع بطبيعتها داخل مجرى النهر، وتُعرف بأراضي طرح النهر. وأكدت أن ما يتم تداوله على بعض المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى "غرق المحافظات" غير صحيح، إذ يقتصر الغمر على أراضٍ مخالفة أقيمت داخل مجرى النيل.

كما شددت الوزارة على أن التعديات تقلل من القدرة التصريفية للنهر وتضر بالملايين من المواطنين والمزارعين، رغم الجهود التي تُبذل سنويًا للحد من آثارها.

خلص البيان إلى أن ما حدث على النيل الأزرق لم يكن إجراءً اضطراريًا، وإنما يعكس إدارة غير منضبطة للسد الإثيوبي. في المقابل، طمأنت الوزارة المواطنين بأن إدارة موارد مصر المائية تتم بكفاءة عالية، وأن الدولة تتابع الموقف على مدار الساعة لضمان حماية الأرواح والممتلكات.