خبراء لـ "الفجر": العقوبات تعيد الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر.. واحتمالات اندلاع حرب إقليمية كبرى تلوح في الأفق

في ظل التطورات المتسارعة بشأن الملف النووي الإيراني، وعودة العقوبات الدولية إلى حيز التنفيذ، تزايدت المخاوف من دخول المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، وسط تحذيرات من احتمال اندلاع مواجهة إقليمية كبرى، تعيد الشرق الأوسط إلى أجواء الصراع المفتوح.
وفي هذا السياق، أدلى خبيران في الشأن الإيراني بتصريحات خاصة لـ "الفجر"، قدّما خلالها قراءتهما للتطورات الجارية وتداعياتها المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي.
قال الدكتور مدحت حماد، المتخصص في الشؤون الإيرانية، إن أي خطوة تصعيدية جديدة من جانب طهران ستكون بمثابة ممارسة لأقصى درجات الضغط الإيراني على المنطقة والعالم بصفة عامة، وعلى الولايات المتحدة وإسرائيل بصفة خاصة، في إطار ما تسميه إيران بـ«سياسة الردع المتبادل».
أضاف حماد في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن إقدام إيران على تطوير أو امتلاك أسلحة نووية قد يفتح الباب أمام سباق نووي إقليمي خطير، خاصة إذا دفعت هذه الخطوة بعض الدول الإقليمية للتفكير في تعزيز قدراتها الدفاعية أو النووية، مشيرًا إلى أن التصعيد الإيراني من شأنه أن يضاعف من فرص ومخاطر اندلاع حرب إقليمية كبرى، قد تتجاوز حدود الخليج لتشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط، في ظل التوترات المتزايدة بين طهران وتل أبيب.

وأكد المتخصص في الشأن الإيراني أن مثل هذا القرار سيضع نظام الجمهورية الإسلامية في موقف بالغ الحرج أمام المجتمع الدولي، وربما يؤدي إلى عزله سياسيًا واقتصاديًا، مشيرًا إلى أن المشهد قد يتكرر كما حدث مع نظام صدام حسين عقب غزوه واحتلاله للكويت، حين وجد نفسه محاصرًا من الداخل والخارج.
من جانبه، قال الدكتور هشام البقلي، مدير مركز القادة للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، إن العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ ضد إيران ليست جديدة، وإنما هي العقوبات نفسها التي كانت معلقة بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، موضحًا أن الترويكا الأوروبية استخدمت أحد بنود الاتفاق لتفعيل العقوبات في حال عدم التزام طهران ببنوده.
وأضاف البقلي أن هذه العقوبات تمثل أداة ضغط تستخدمها أوروبا وواشنطن لإجبار إيران على التفاوض والكشف حقيقة برنامجها النووي، ومصير مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، مشيرًا إلى أن الهدف الغربي هو دفع طهران للجلوس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.

وأكد مدير مركز القادة أن اللحظة التي دخلت فيها العقوبات حيز التنفيذ كانت بمثابة "شهادة وفاة رسمية" للاتفاق النووي الإيراني، موضحًا أن الملف النووي عاد فعليًا إلى نقطة الصفر من جديد، حيث تواجه إيران عقوبات أممية وأمريكية، وترفض التفاوض تحت ضغط، كما ترفض عمليات التفتيش على منشآتها النووية وسط حالة من الغموض بشأن طبيعة برنامجها النووي.
وأشار البقلي إلى أن احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين إيران وإسرائيل باتت أمرًا مؤكدًا، فالحرب – على حد وصفه – "لم تنتهِ بعد"، والهدنة الحالية هشة للغاية ولا تستند إلى أسس واقعية، مضيفًا أن توقيت اندلاع الجولة الثانية من الصراع سيتوقف على الخطوات الإيرانية المقبلة، وخاصة إذا أعلنت طهران عن أي تصعيد في برنامجها النووي أو الصاروخي، أو قررت الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
واختتم البقلي تصريحاته مؤكدًا أن إيران ستتحرك على عدة محاور خلال المرحلة المقبلة، أبرزها الاعتماد على الاقتصاد المقاوم، واستثمار خبراتها الطويلة في الالتفاف على العقوبات عبر التعاون مع الصين وروسيا والعراق وتركيا، إلى جانب التحرك الإقليمي من خلال وكلائها في العراق واليمن ولبنان لممارسة ضغوط على القوى الإقليمية وتهديد المصالح الأمريكية.
كما رجّح أن تلجأ طهران إلى التلويح بالتصعيد النووي مع البحث عن وسيط مقبول لاستئناف المفاوضات، مؤكدًا أن القاهرة قد تكون الوسيط الأنسب من وجهة نظر إيران، نظرًا لتعاملها مع الملف من منطلق أمن المنطقة واستقرارها، وليس من زاوية الصراع أو استهداف مصالح طهران.