مرض يضرب السودان في صمت.. والصحة العالمية تتحرك قبل فوات الأوان

وسط الحرب المستعرة التي أنهكت السودان منذ شهور، جاء وباء الكوليرا ليضيف فصلًا جديدًا من المعاناة، وكأن الشعب السوداني قد كُتب عليه أن يقاوم الأزمات المتلاحقة بلا هوادة. في الأيام الأخيرة، ارتفعت أعداد الإصابات بالمرض إلى مستويات غير مسبوقة، دفعت منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ قرارات عاجلة للتدخل والحد من انتشار الكارثة.
انفجار في أعداد الحالات
فبحسب بيان رسمي صادر عن المنظمة، قفزت الإصابات اليومية في العاصمة الخرطوم وحدها من 75 حالة إلى 1500 حالة خلال أسبوعين فقط، أي بزيادة قدرها 20 ضعفًا. هذه الأرقام المخيفة تعكس حجم الخطر المحدق بالسودان، خصوصًا مع هشاشة النظام الصحي نتيجة الحرب الدائرة، وصعوبة وصول المساعدات الطبية إلى مناطق كثيرة.
البيان أوضح أن الوباء بدأ في التفشي لأول مرة بولاية كسلا في أواخر يوليو 2024، لكنه لم يتوقف عند حدودها، بل امتد إلى كل ولايات السودان، ليسجل حتى الآن 113،609 إصابة مؤكدة و3،000 وفاة، بمعدل وفيات بلغ 2.7%.
صعوبات في مواجهة الوباء
أشارت المنظمة إلى أن وصول اللقاحات والمستلزمات الطبية إلى بعض المناطق – خاصة إقليم دارفور – يواجه تحديات لوجستية وأمنية جسيمة. هذه العقبات تضع حياة آلاف المواطنين في خطر، وتزيد من احتمالات ارتفاع معدلات الوفيات إذا لم يتم التدخل السريع.
حملات تطعيم واسعة
ولمواجهة الكارثة، أطلقت منظمة الصحة العالمية في 21 سبتمبر الجاري حملة تطعيم كبرى تستهدف 1.86 مليون شخص في ست مناطق ذات أولوية داخل دارفور. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع للحد من تفشي المرض والسيطرة على بؤر العدوى قبل أن تتوسع أكثر.
كما أكدت المنظمة أن الجولة الثانية من التلقيح الفموي ستشمل دولًا مجاورة مثل تشاد وليبيا وجنوب السودان، وذلك لتأمين الحدود والحد من انتقال العدوى عبر حركة النزوح واللاجئين. هذه التحركات الإقليمية تؤكد أن خطر الكوليرا لا يهدد السودان وحده، بل المنطقة بأكملها.
كارثة صحية وسط حرب طاحنة
يرى خبراء الصحة أن السودان يواجه معضلة مركبة: حرب تدمّر البنية التحتية، ووباء يفتك بالمدنيين في وقت يفتقد فيه النظام الصحي لأبسط الإمكانيات. وبحسب تقديرات ميدانية، فإن كثيرًا من المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية، فيما تواجه فرق الاستجابة صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق التي تحاصرها المعارك.
تحذيرات الخبراء
وفي هذا السياق، يقول الدكتور حسام الدويك، استشاري الصحة العامة: "الكوليرا ليست مرضًا جديدًا، لكنها تتحول إلى كابوس في ظل الحروب والأزمات الإنسانية. السودان اليوم في عين العاصفة؛ فإذا لم يتم احتواء الوباء بشكل عاجل، فقد نشهد تضاعف الحالات إلى مستويات كارثية في غضون أسابيع قليلة."
وأضاف أن انتشار الكوليرا بهذه الوتيرة لا يعني خطرًا صحيًا فقط، بل تهديدًا للاستقرار الإقليمي، لأن انتقال المرض عبر الحدود سيضاعف التحديات أمام دول الجوار التي تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية وصحية.
بين الحرب والوباء، يعيش السودانيون معركة بقاء يومية. منظمة الصحة العالمية تتحرك الآن بكل ما لديها من أدوات للسيطرة على الموقف، لكن نجاح الجهود سيظل مرهونًا بمدى توافر الدعم الدولي، وقدرة المجتمع الدولي على تجاوز الخلافات السياسية لإغاثة بلد يقف على حافة الانهيار الصحي.