ملف نووي على صفيح ساخن,, والمرشد الأعلى يختصر مشهد مسبق

كيف سيكون موقف الوكالة الذرية من إيران بعد تصريحات خامنئي.. وواشنطن تضيق الخناق؟

تقارير وحوارات

كيف سيكون موقف الوكالة
كيف سيكون موقف الوكالة الذرية من إيران بعد تصريحات خامنئي

عاد الملف النووي الإيراني إلى واجهة الاهتمام الدولي بعد تزامن ثلاثة تطورات متلاحقة: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي حمّل طهران مسؤولية تقليص التعاون الرقابي، وتصريحات المرشد الأعلى علي خامنئي التي جدد فيها رفض بلاده الاستسلام للضغوط النووية، وأخيرًا القيود الأمريكية الجديدة على الوفد الإيراني المشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه التطورات تضع الأزمة في مسار أكثر تعقيدًا، وتفتح تساؤلات حول كيفية تفاعل الوكالة الذرية مع الموقف الإيراني المتشدد.

الجزائر و10 دول تنضم إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية
شددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن قدرتها على الرصد والتحقق من البرنامج النووي الإيراني تأثرت بشكل "خطِر" 

الوكالة: فقدان السيطرة على تفاصيل البرنامج

في تقاريرها الأخيرة، في يونيو 2025، شددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن قدرتها على الرصد والتحقق من البرنامج النووي الإيراني تأثرت بشكل "خطِر" بعد تقليص إيران تعاونها. وأوضحت أن إزالة طهران معدات المراقبة وحجب تسجيلات الكاميرات منع خبراءها من تحقيق "استمرارية المعرفة" بشأن إنتاج وتخزين أجهزة الطرد المركزي.

وترى الوكالة أن هذا الوضع يضعف قدرتها على تقديم ضمانات تؤكد الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد إعلان طهران امتلاكها نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تتجاوز بكثير الحدود المقررة في اتفاق 2015.

إيران: لا أسلحة نووية رغم الضغوط
إيران: لا أسلحة نووية رغم الضغوط

إيران: لا أسلحة نووية رغم الضغوط

في مواجهة هذه الاتهامات، أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن تخضع للضغوط الدولية، مشددًا على أن إيران لا تنوي إنتاج أسلحة نووية ولا ترى حاجة إليها. وأضاف أن "التفاوض مع الحكومة الأمريكية في الوقت الحالي لا يخدم مصالح إيران الوطنية"، معتبرًا أن الضغوط الغربية لن تجبر طهران على التخلي عن برنامجها النووي.

ورغم إقراره بأن بعض مفاعلات التخصيب تعرضت للقصف، قال خامنئي إن "القدرات النووية الإيرانية لا يمكن القضاء عليها بهذه الطريقة"، ليبعث برسالة مفادها أن بلاده ماضية في تخصيب اليورانيوم ضمن ما تعتبره حقوقًا مشروعة.

واشنطن: قيود إضافية وممارسة أقصى ضغط

لم يقتصر الرد الدولي على تقارير الوكالة أو تصريحات خامنئي، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية فرض قيود جديدة على تحركات الوفد الإيراني المشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الخارجية الأميركية لرووداو: من مصلحة ايران القبول...| رووداو.نيت
الخطوة تأتي في إطار "ممارسة أقصى ضغط على النظام الإيراني"

وأوضح المتحدث باسم الخارجية، تومي بيغوت، أن الخطوة تأتي في إطار "ممارسة أقصى ضغط على النظام الإيراني"، مشيرًا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، اعتمد إجراءات تحد من حركة الوفد الإيراني في محيط مقر الأمم المتحدة فقط، وتمنع أفراده من الوصول إلى المتاجر الكبرى أو السلع الفاخرة. وأضاف: "إن أمن الأمريكيين يظل دائمًا أولويتنا، ولن نسمح للنظام الإيراني باستخدام اجتماعات الأمم المتحدة للترويج لأجندته الإرهابية".

خامنئي يختصر سيناريو مسبق.. لعبة ما قبل نهاية صدام

ربما تضيق الولايات المتحدة الخناق على إيران في محاولات ضغط دبلوماسية وسياسية، كما فعلت سابقًا مع الرئيس الراحل صدام حسين في العراق.
ربما تضيق الولايات المتحدة الخناق على إيران في محاولات ضغط دبلوماسية وسياسية، كما فعلت سابقًا مع الرئيس الراحل صدام حسين في العراق.

ربما تُدار اليوم الأمور بطريقة تشبه ما حدث في الماضي، تسعى الولايات المتحدة اليوم للضغط على إيران دبلوماسيًا، كما استخدمت سابقًا إجراءات مماثلة ضد العراق في عهد الرئيس صدام حسين، قبل غزو بلاده بعقد، حيث تحوَلت إلى غزو أمريكي للعراق انتهى بعد إعدامه بسنوات. وربما تفهم إيران ذلك جيدًا، فيخرج المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بنفسه يؤكد في تصريحات مسبقة أن بلاده لا تمتلك أسلحة نووية أو قدرات تهدد الأمن الإقليمي، ما يمنح واشنطن غطاء محدودًا لتأليب المحاور الغربية ضد إيران، ويحد من احتمال تكرار سيناريو العمليات العسكرية التي شهدها الشرق الأوسط قبل عقود.

في 7 يونيو 1981، نفذت إسرائيل واحدة من أخطر العمليات الجوية في القرن العشرين حين أرسلت مقاتلاتها من طراز F-15 وF-16 لقصف مفاعل تموز النووي العراقي قرب بغداد. الهجوم، المعروف باسم عملية أوبرا، دمر المفاعل شبه كليًا وأودى بحياة عشرة عراقيين ومدني فرنسي، ليكون أول استهداف ناجح لمفاعل نووي قيد الإنشاء عالميًا. ويشير المؤرخ العراقي إبراهيم العلاف، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الموصل، إلى أن الغارة كانت دقيقة للغاية وتفوقت على المحاولة الإيرانية السابقة التي لم تصب المفاعل بأضرار كبيرة، مؤكدًا أن الاستخبارات والدفاعات الجوية العراقية لم تكن مجهزة لكشف الطائرات الإسرائيلية التي قطعت مسافة 2500 كيلومتر عبر أجواء الأردن والسعودية على ارتفاع منخفض جدًا، ما جعل العملية استباقية واستراتيجية بامتياز.

المفاعل كان ثمرة تعاون عراقي–فرنسي بدأ منتصف السبعينيات ضمن مشروع نووي طموح لأغراض سلمية
المفاعل كان ثمرة تعاون عراقي–فرنسي بدأ منتصف السبعينيات ضمن مشروع نووي طموح لأغراض سلمية

 

المفاعل كان ثمرة تعاون عراقي–فرنسي بدأ منتصف السبعينيات ضمن مشروع نووي طموح لأغراض سلمية وربما عسكرية، حيث وافقت فرنسا على بناء مفاعلين في التويثة: تموز 1 بقدرة 40 ميغاواط وتموز 2 بقدرة تدريبية أقل للتدريب والأبحاث. ويضيف العلاف أن الهجوم الإسرائيلي جاء بعد إعادة انتخاب مناحيم بيغن رئيسًا لإسرائيل، وجرى تنفيذه لمنع بغداد من تطوير قدرات نووية عسكرية يمكن أن تهدد الأمن الإقليمي. ويشير العلاف أيضًا إلى أن محاولة إيران استهداف المفاعل قبل الغارة الإسرائيلية بفترة تسعة أشهر فشلت، واقتصرت على الأضرار الثانوية في الأبنية الفرعية، لتؤكد العملية الإسرائيلية إخفاق الدفاعات العراقية وتعقيد موقف العراق الأمني، وتترك عبرة للتوازنات العسكرية والسياسية في المنطقة حتى اليوم.

أزمة مفتوحة على كل الاتجاهات

في ظل هذا المشهد المتشابك، يظل موقف الوكالة الذرية مرهونًا بمدى استعداد إيران لتقديم تنازلات ملموسة تعيد الثقة ببرنامجها النووي. لكن مع تمسك طهران بموقفها ورفضها التفاوض مع واشنطن، إلى جانب القيود الأمريكية الإضافية، تبدو الأزمة متجهة نحو مزيد من التصعيد.

وبينما تصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي، ترى الوكالة والدول الغربية أن غياب الشفافية الكاملة يعزز الشكوك. ما يجعل السؤال المطروح الآن: هل تدفع هذه التطورات الوكالة الذرية لاتخاذ خطوات أكثر صرامة، أم أن الملف سيبقى أسير التوازنات السياسية حتى إشعار آخر؟