من السجون إلى المعسكرات السرية.. رحلة عناصر القاعدة وداعش في خدمة ميليشيات الحوثي

يشكل تعاون الحوثيين المدعومين إيرانيًا مع التنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، إحدى أبرز التحولات الخطيرة في المشهد الأمني اليمني. رغم اختلاف الأيديولوجيات، لم تعد هذه التنظيمات تُعتبر خصومًا أيديولوجيين لدى الحوثيين، بل أدوات مرحلية يمكن توظيفها لتحقيق مصالح استراتيجية محددة.
العوامل السياسية والعسكرية وراء التعاون
يشير الخبراء إلى أن الحوثيين يسعون من خلال هذه الشراكات إلى تعزيز نفوذهم العسكري والسياسي في مختلف المناطق اليمنية، خصوصًا في أبين، شبوة، حضرموت، ومأرب، ويتيح التعاون مع التنظيمات الإرهابية للحوثيين استغلال حالة الفراغ الأمني في بعض المحافظات وتكوين وحدات عسكرية من عناصر مدربة لتنفيذ مهام ميدانية صعبة والسيطرة على مناطق استراتيجية ضمن الصراع الداخلي.
كما أن وجود عناصر القاعدة وداعش بين أيدي الحوثيين يوفر لهم أذرع استخباراتية وميدانية لتنفيذ عمليات محددة، من دون الانخراط المباشر للقيادات الحوثية، ما يقلل من المخاطر المباشرة على قياداتهم.
مصالح استراتيجية قصيرة المدى أم تحالف طويل الأمد؟
توضح التحليلات أن هذا التعاون غالبًا ما يكون مرحليًا واستراتيجيًا قصير المدى، حيث تسعى المليشيات إلى توظيف الخبرات القتالية والموارد البشرية لهذه التنظيمات في تحقيق أهداف محددة، مثل فرض السيطرة على المناطق الحدودية أو تعزيز المواقع الدفاعية.
مع ذلك، قد يتطور هذا التعاون إلى تحالف طويل الأمد إذا تبين أن المصالح المشتركة بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية تحقق فوائد مستمرة على المستوى الميداني أو السياسي.
استغلال التعاون لتعزيز النفوذ الإقليمي
يستفيد الحوثيون من هذا التعاون في تعزيز نفوذهم على المجتمع المحلي والإقليمي من خلال تأسيس واجهات سياسية واجتماعية باسم التيارات المحلية، مثل تيار "التغيير والتحرير" في حضرموت، الذي يعمل كغطاء لإدماج عناصر إرهابية ضمن خططهم الاستراتيجية وإعادة توزيع العناصر المفرج عنهم من السجون إلى جبهات محددة أو إدماجهم في شبكات استخباراتية، ما يعزز سيطرتهم على المناطق الشرقية وخلق تحالفات قبلية وإقليمية تسمح لهم بتقوية العلاقات مع جماعات محلية وجذب ولاءات جديدة.
الحسابات المالية ودورها في الشراكات غير التقليدية
يلعب التمويل والإغراءات المادية دورًا حاسمًا في نجاح هذه الشراكات. فقد كشف التقرير عن أن الحوثيين يمنحون العناصر المفرج عنها امتيازات مادية تشمل رواتب شهرية تصل إلى 260 دولارًا أمريكيًا بالعملة الصعبة وأسلحة ومركبات وحماية اجتماعية للعائلات وترتيبات زواج.
هذه الحوافز المالية والاجتماعية تساعد الحوثيين على ضمان ولاء العناصر الإرهابية وإبقائهم تحت السيطرة، ما يجعل هذه الشراكات أكثر فاعلية من الاعتماد على الإقناع الفكري أو الأيديولوجي وحده.
تؤدي هذه التحالفات غير التقليدية إلى تأثيرات معقدة على الشرعية السياسية للحوثيين، داخليًا وخارجيًا:
داخليًا، قد يؤدي استخدام عناصر إرهابية في العمليات الميدانية إلى زيادة العزلة الشعبية لدى بعض المجتمعات المحلية، نتيجة المخاطر المرتبطة بالعنف العشوائي.
خارجيًا، يفتح التعاون مع التنظيمات الإرهابية الباب أمام الضغط الدولي والعقوبات، ويضع الحوثيين ضمن قائمة الجهات المهددة للأمن الإقليمي والدولي.
مع ذلك، يرى الحوثيون أن الفوائد الميدانية والفورية تفوق المخاطر الطويلة الأمد، خصوصًا في ظل غياب رادع دولي فعال أو غطاء سياسي قوي.
استراتيجية "تدوير الإرهابيين"
كشف التقرير أن الحوثيين يقومون بـ استراتيجية ممنهجة لإعادة تدوير عناصر القاعدة وداعش، تتضمن تحويل السجون إلى معامل لتدريب وإعادة دمج العناصر وإنشاء معسكرات سرية في صعدة وعمران وذمار لتدريب المقاتلين ومنح هويات جديدة وأسماء حركية لضمان قدرة هؤلاء العناصر على العمل في المناطق الجديدة دون كشف هويتهم.
هذه الاستراتيجية تعتبر خرقًا واضحًا للقوانين الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب وتضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير لمراقبة ومحاسبة المتورطين.
دعوة المجتمع الدولي
يدعو مركز P.T.O.C Yemen المجتمع الدولي إلى إدراج استراتيجية تدوير الإرهابيين ضمن جرائم الحرب وإنشاء قاعدة بيانات دولية للعناصر المفرج عنهم وتشديد الرقابة على السجون والمراكز السرية التابعة للحوثيين وفرض عقوبات صارمة على القيادات المتورطة، وتحميل الجهات الداعمة مثل إيران والحرس الثوري مسؤولية دعم هذا المشروع التخريبي.
يؤكد التقرير أن التعاون الحوثي مع التنظيمات الإرهابية هو أداة استراتيجية تهدف إلى تعزيز السيطرة العسكرية والسياسية للمليشيات، واستغلال الموارد البشرية والخبرات الميدانية للتوسع في نفوذهم.
بينما يظل هذا التعاون أدوات مرحلية بالنسبة للحوثيين، إلا أنه يحمل مخاطر أمنية وإنسانية كبيرة على اليمن والمنطقة بأسرها، ويستلزم تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة هذا التحدي.