لماذا يعتبر يوم 23 سبتمبر يومًا وطنيًا في المملكة العربية السعودية؟
يُعدّ اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، الذي يوافق 23 سبتمبر من كل عام، محطة فارقة في التاريخ السعودي المعاصر. يحتفل إخواننا داخل المملكة العربية السعودية بهذا اليوم، الذي يمثل لأراضيهم مجدًا وعزًّا.
ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو استحضار لمسيرة طويلة من الكفاح السياسي والعسكري والاجتماعي، انتهت بقيام دولة موحدة تحمل اسم المملكة العربية السعودية منذ عام 1932. ويعود اختيار هذا التاريخ تحديدًا إلى المرسوم الملكي الذي أصدره الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، معلنًا توحيد البلاد تحت راية واحدة بعد عقود من الانقسامات والصراعات.
لكن كيف وصلت المملكة إلى هذه المرحلة من الوحدة بعد قرون من التحديات والتحولات؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من العودة إلى بدايات الدولة السعودية الأولى مرورًا بمحطاتها الكبرى حتى العصر الحديث.
البدايات: الدولة السعودية الأولى
تعود الجذور الأولى للمملكة إلى منتصف القرن الثامن عشر، عندما أسس الإمام محمد بن سعود عام 1744 الدولة السعودية الأولى في منطقة الدرعية، بالتحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وضع أسس الدعوة الإصلاحية الدينية. شكل هذا التحالف قاعدة سياسية ودينية متينة ساهمت في بسط النفوذ على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية.
ورغم النجاحات الكبيرة، واجهت الدولة السعودية الأولى صراعًا مع الدولة العثمانية عبر واليها في مصر، محمد علي باشا. وقد انتهى هذا الصراع بسقوط الدرعية عام 1818، ليُطوى بذلك أول فصول الدولة السعودية.
الدولة السعودية الثانية
لم يلبث أن أعيد إحياء الكيان السياسي السعودي مع الإمام تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود الذي أسس الدولة السعودية الثانية عام 1824 في الرياض. ورغم أنها ورثت الكثير من الأسس عن سابقتها، إلا أن هذه الدولة واجهت صراعات داخلية وحروبًا قبلية متكررة أضعفتها تدريجيًا. وفي عام 1891 انتهت هذه المرحلة بهزيمة آل سعود في معركة المليداء، لينتقل بعض أفراد الأسرة إلى الكويت.
انطلاقة الدولة السعودية الثالثة
بدأ الفصل الثالث من تاريخ المملكة مع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي تمكن عام 1902 من استعادة الرياض بعد معركة حاسمة ضد آل رشيد. ومنذ ذلك التاريخ، شرع في بناء الدولة السعودية الحديثة، عبر إخضاع المناطق المتفرقة تحت حكمه.
تحولت هذه الدولة الناشئة تدريجيًا من إمارة الرياض إلى سلطنة نجد ثم إلى مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها بعد السيطرة على الحجاز عام 1925. وأخيرًا، في 23 سبتمبر 1932، صدر الإعلان التاريخي بتوحيد البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية، ليكون ذلك بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والتنمية.
تعاقب الملوك وبناء الدولة الحديثة.. من الخمسينات حتى رؤية 2030
بعد وفاة الملك المؤسس عام 1953، تولى الحكم أبناؤه تباعًا، حيث شهدت المملكة في عهودهم تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية واسعة. وفي عام 2015 اعتلى الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود العرش بعد وفاة شقيقه الملك عبد الله، ومعه دخلت المملكة مرحلة جديدة من التحولات الداخلية والإقليمية. وفي يونيو/حزيران 2017، عُين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، ليقود برامج إصلاحية واسعة في إطار رؤية 2030.
محطات بارزة في تاريخ المملكة
إلى جانب تأسيس الدولة وتوحيدها، مرت السعودية بمحطات مؤثرة غيّرت مجرى تاريخها وأثرت في العالم:
1938: اكتشاف النفط بكميات تجارية، ما جعل المملكة لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي.
1960: السعودية تصبح عضوًا مؤسسًا في منظمة "أوبك"، ما عزز نفوذها في رسم سياسات النفط الدولية.
1973: قيادة حظر نفطي ضد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل خلال حرب أكتوبر، ما تسبب في ارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق.
1990: استضافة القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي عقب غزو العراق للكويت، في إطار حماية الخليج.
2001: تورط 15 سعوديًا من أصل 19 في أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، ما ألقى بظلال ثقيلة على صورة المملكة في الخارج.
2003: تعرض الرياض لتفجيرات انتحارية تبناها تنظيم القاعدة، ما دفع السلطات لتعزيز إجراءاتها الأمنية بشكل غير مسبوق.
2011: مشاركة القوات السعودية في أحداث البحرين ضمن منظومة "درع الجزيرة".
مارس 2015: إطلاق عملية "عاصفة الحزم" في اليمن لمواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.
التحديات الاجتماعية والسياسية
إلى جانب التحديات الأمنية، واجهت المملكة ضغوطًا داخلية تتعلق بالإصلاح السياسي والاجتماعي. فمنذ انتخابات المجالس البلدية عام 2005 وحتى اليوم، ظلت مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان موضوعًا حساسًا.
كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا متزايدًا في فتح النقاشات العامة حول قضايا مثل حقوق المرأة وحرية التعبير. وقد شهدت المملكة تغييرات ملموسة في السنوات الأخيرة، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتوسيع مشاركتها في سوق العمل، وفتح مجالات الترفيه والثقافة بشكل غير مسبوق.
أهمية اليوم الوطني
يوم 23 سبتمبر ليس مجرد ذكرى لتغيير اسم الدولة، بل هو رمز لتوحيد الأرض والهوية والسلطة تحت راية واحدة. إنه يوم يعكس بداية عصر الاستقرار السياسي الذي أتاح للمملكة أن تتحول من مجتمع قبلي متفرق إلى دولة مركزية مؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي.
كما يمثل هذا اليوم فرصة للأجيال السعودية الجديدة لاستحضار تاريخ بلادهم والاعتزاز بمنجزاتهم، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل في ظل رؤية طموحة تسعى لتحويل السعودية إلى قوة اقتصادية واجتماعية متجددة.
منذ تأسيسها وحتى اليوم، قطعت المملكة العربية السعودية شوطًا طويلًا بين مراحل النشأة والصراعات والتوحيد، لتصبح اليوم واحدة من أبرز القوى الإقليمية والعالمية. ويظل يوم 23 سبتمبر شاهدًا على تلك اللحظة التاريخية التي أعلن فيها الملك عبد العزيز قيام الدولة الحديثة، ليبقى هذا التاريخ محورًا جامعًا للهوية الوطنية السعودية، ومناسبة للاحتفاء بمسيرة امتدت عبر أكثر من قرنين من الزمان.
