من وعد بلفور إلى الاعتراف البريطاني بفلسطين.. رحلة قرن من الزمن للأرض العربية عبر الخريطة

منذ أكثر من قرن، حين صدر "وعد بلفور" عام 1917، اعتبر الفلسطينيون أن بريطانيا منحت من لا يملك لمن لا يستحق، حين فتحت الباب لقيام دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية. واليوم، وبعد عقود من محاولات التسوية والتضحيات، تعود لندن بخطوة وُصفت بالتاريخية، إذ أدرجت كلمة "فلسطين" رسميًا على خرائطها ومواقعها الإلكترونية بدلًا من مصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة"، في تحول يراه مراقبون بداية لتصحيح المسار، ولو بعد تأخر طويل.

ماذا قبل عام 1948؟
قبل عام 1948، كانت فلسطين أرضًا مزدهرة بمزيجها الاجتماعي والثقافي، لكنها وقعت فريسة المشروع الصهيوني الذي توّج بنكبة الـ48، حيث شُرّد مئات الآلاف من الفلسطينيين، وأُعلنت إسرائيل كدولة قائمة على الاحتلال والتهجير. منذ ذلك الحين، أُزيل اسم فلسطين من كثير من الخرائط والوثائق الدولية، وأصبحت الهوية الفلسطينية تقاوم الاندثار عبر النضال السياسي والميداني.
غير أن اعتراف بريطانيا ومعها كندا وأستراليا والبرتغال بالدولة الفلسطينية، وتحديث الخرائط البريطانية بهذا الشكل، يمثل إعادة رسم رمزية لما تم شطبه عقودًا طويلة. ففي الصورة الجديدة التي نشرتها الحكومة البريطانية، يظهر اسم "فلسطين" واضحًا في الضفة الغربية، إلى جانب قطاع غزة، ككيان سياسي معترف به دوليًا، بعد أن كان يشار إليه بعبارة "الأراضي الفلسطينية المحتلة".
بريطانيا تنضم لقائمة 140 دولة
وفي تحوّل دبلوماسي لافت، أصبحت بريطانيا ثالث دولة من مجموعة السبع الكبرى تتخذ هذه الخطوة، بعد كندا وأستراليا، لتنضم إلى أكثر من 140 دولة سبقتها. وبينما رُحب بهذه الخطوة فلسطينيًا، واعتُبرت دعمًا عمليًا لحل الدولتين، أثارت غضبًا شديدًا في إسرائيل، حيث وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنها "مكافأة كبرى للإرهاب"، مجددًا رفضه القاطع لقيام دولة فلسطينية "غربي نهر الأردن".

المواقف الغربية بدت متباينة؛ فبريطانيا شددت على أن الاعتراف يهدف إلى إحياء أمل السلام، وكندا أوضحت أنه لا يعد "مكافأة للإرهاب" بل تعزيزًا للتعايش السلمي، بينما رأت البرتغال أنها خطوة متسقة مع ثوابتها في دعم حل الدولتين. أما الولايات المتحدة، فقد وصفت الخطوات الأوروبية بأنها "استعراضية"، مؤكدة أن أولوياتها ما زالت تنحصر في "أمن إسرائيل وإطلاق سراح الرهائن".
من الجانب الفلسطيني، رحّب الرئيس محمود عباس بالاعتراف، معتبرًا أنه يفتح الباب أمام تنفيذ حل الدولتين، فيما رحبت حركة حماس أيضًا بالخطوة، لكنها طالبت بإجراءات عملية لوقف العدوان على غزة، والتصدي لمشاريع الضم والتهويد في الضفة والقدس.

الجدول الزمني لتغيّر وضع فلسطين على الخرائط (1917 – 2025)
العام | الحدث | وضع فلسطين على الخرائط |
---|---|---|
1917 | صدور وعد بلفور بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين | فلسطين مذكورة ككيان جغرافي تحت الانتداب البريطاني. |
1947 | خطة التقسيم الأممية (القرار 181) | الخرائط تُظهر تقسيمًا مقترحًا بين "دولة عربية" و"دولة يهودية" والقدس منطقة دولية. |
1948 | نكبة فلسطين وإعلان قيام إسرائيل | ظهور إسرائيل كدولة معترف بها على الخرائط، واختفاء "فلسطين" ككيان سياسي. |
1967 | حرب يونيو واحتلال الضفة وغزة والقدس الشرقية | الخرائط الرسمية تُشير إلى "المناطق المحتلة" أو "الأراضي العربية المحتلة". |
1974 | اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني | عودة اسم "فلسطين" تدريجيًا في بعض الوثائق الأممية، لكن الخرائط السياسية ظلت تُظهر إسرائيل فقط. |
1988 | إعلان الاستقلال الفلسطيني من الجزائر | بعض الخرائط العالمية بدأت تُشير إلى "فلسطين" بجانب إسرائيل، دون اعتراف واسع. |
1993 | توقيع اتفاق أوسلو | الخرائط تميّز بين مناطق (أ، ب، ج) بالضفة الغربية، لكن "فلسطين" لم تُدرج كدولة. |
2012 | فلسطين تحصل على صفة "دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة | الخرائط الأممية تُدرج "State of Palestine"، بينما بقيت الخرائط الغربية متحفظة. |
2023 | حرب غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" وتصاعد الأزمة الإنسانية | فلسطين تظهر بشكل متكرر في الإعلام والخرائط التفاعلية كمنطقة نزاع. |
سبتمبر 2025 | بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال تعترف رسميًا بدولة فلسطين، وبريطانيا تحدّث خرائطها | عودة اسم "فلسطين" رسميًا على خرائط الحكومة البريطانية بدلًا من "الأراضي الفلسطينية المحتلة". |
لكنها خارج حسابات دولة الاحتلال
رغم الاعتراف الغربي المتنامي بدولة فلسطين، والذي بدأ يأخذ منحى أكثر وضوحًا مع تحديث الخرائط البريطانية وإدراج فلسطين ككيان قائم، فإنّ هذا التحول يبقى – من وجهة نظر الاحتلال – خارج الحسابات السياسية والأمنية لإسرائيل. فبالنسبة لتل أبيب، لا يُنظر إلى هذه الاعترافات باعتبارها خطوة نحو السلام، بل تهديدًا مباشرًا لروايتها التاريخية ومشروعها الاستيطاني الذي يقوم على نفي الآخر.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شدد في بيان رسمي على رفض بلاده القاطع لأي حديث عن إقامة دولة فلسطينية "غربي نهر الأردن"، معتبرًا أن الاعتراف الغربي يأتي في توقيت خاطئ بعد "مجزرة السابع من أكتوبر" على حد وصفه. وأضاف أن أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية في الظروف الراهنة تعني – من وجهة نظره – تعزيز الإرهاب وإضعاف أمن إسرائيل، وهو الموقف الذي عكس مدى القلق الإسرائيلي من التحولات الدبلوماسية الأخيرة.
أما وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، فذهب أبعد من ذلك بكثير، معلنًا أنه سيطرح على الحكومة المقبلة مقترحًا ببسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بشكل كامل، بما يعني ضمًا فعليًا للأراضي المحتلة منذ عام 1967. كما دعا صراحة إلى تفكيك السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، معتبرًا أنها لم تعد قادرة على إدارة شؤون الفلسطينيين، وهو ما يكشف أن الاعترافات الدولية بفلسطين، مهما اتسعت، تبقى حتى الآن خارج معادلات إسرائيل الداخلية التي لا ترى في هذه الخطوات سوى تهديدًا لوجودها ومشروعها التوسعي.
إن إدراج فلسطين على الخرائط البريطانية لا يُلغي ما حدث منذ وعد بلفور وحتى نكبة 1948، لكنه يعيد فلسطين إلى موقع ككيان معترف به على الساحة الدولية. وبينما يزداد الضغط الغربي لإحياء حل الدولتين، تصر إسرائيل على رفضها، بل وتلوّح بخطط ضم جديدة. وهكذا يبقى الاعتراف خطوة تاريخية مهمة، لكنها ليست سوى بداية لمسار طويل وشائك، يتوقف نجاحه على الإرادة الدولية من جهة، وصمود الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.