عاجل- كيف تحولت قطعة أثرية نادرة إلى سبائك فضة؟.. القصة الكاملة لسرقة المتحف المصري

شهد المتحف المصري بالتحرير واحدة من أخطر القضايا الأثرية خلال السنوات الأخيرة، بعدما أُثيرت أنباء عن اختفاء أسورة ذهبية نادرة تعود لأحد ملوك الأسرة الحادية والعشرين من داخل خزينة قسم الترميم. الحادثة لم تقتصر على مجرد فقدان قطعة أثرية، بل تحولت إلى لغز جنائي تتشابك خيوطه بين الإهمال والسرقة المنظمة وربما محاولات التغطية على جريمة أكبر.
بداية القصة: تجهيز معرض "كنوز الفراعنة"
القضية بدأت قبل يومين فقط، أثناء استعداد إدارة المتحف المصري لإرسال مجموعة مكونة من 130 قطعة أثرية إلى العاصمة الإيطالية روما، للمشاركة في معرض "كنوز الفراعنة" المقرر افتتاحه في قصر الاسكوديري ديل كويريناله يوم 24 أكتوبر المقبل.
أثناء عملية الجرد والتغليف، اكتشف فريق الترميم غياب الأسورة الذهبية، والتي تُعتبر إحدى القطع الأهم في المعرض المرتقب. وبحسب مصادر داخل المتحف، فإن القطعة لم تكن ضمن المعروضات اليومية للجمهور، بل كانت محفوظة في خزينة محكمة داخل قسم الترميم.
الاشتباه والتحقيقات الأولية
فور اكتشاف الاختفاء، تحركت الجهات الأمنية بسرعة، حيث تم التحفظ على جميع العاملين والموظفين الذين تعاملوا مع القطعة أو تواجدوا في محيطها خلال الساعات الأخيرة. شمل ذلك خبراء الترميم، موظفي الأمن، وعددًا من الفنيين.
كما تم سحب الهواتف المحمولة الخاصة بهم لفحص أي تواصل خارجي أو صور مسربة قد تكشف عن خيوط للجريمة. وبحسب ما أكد مصدر مطلع لـ "المصري اليوم"، فقد جرى تفتيش مكاتب بعض العاملين بدقة، في محاولة للعثور على أي آثار أو مستندات قد تقود إلى مصير القطعة.

لغز الأسورة: من الذهب إلى الفضة؟
وسط تضارب الروايات، تسربت معلومة صادمة من داخل التحقيقات، تشير إلى أن الأسورة لم تُهرّب كاملة، بل جرى صهرها وتحويلها إلى سبائك فضة مطلية بالذهب في محاولة لتمويه حقيقتها. هذه الفرضية أثارت موجة من الغضب بين خبراء الآثار، الذين اعتبروا أن الأمر لا يتعلق بسرقة عادية، بل بجريمة إعدام لتراث لا يُقدر بثمن.
ويرى بعض المتخصصين أن عملية كهذه لا يمكن أن تتم إلا بتواطؤ أشخاص يمتلكون خبرة تقنية في المعادن، فضلًا عن معرفة دقيقة بمسارات الحركة داخل المتحف.
شهادات من قلب المتحف
من داخل المتحف، حسب ما تناقلت وسائل إعلام، كانت المصادر تؤكد التحقيقات لا تزال جارية لليوم الثاني على التوالي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وبحضور الدكتور علي عبدالحليم، مدير عام المتحف المصري بالتحرير.
وأضاف المصدر أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن القطعة جرى تهريبها منذ فترة، وأن غيابها لم يُكتشف إلا خلال التحضير للمعرض. هذا التفسير يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة:
كيف تم تهريب قطعة أثرية بهذا الحجم دون أن يلاحظ أحد؟
هل هناك ثغرات في نظام المراقبة بالكاميرات؟
وهل تورطت شبكة داخلية أكبر مما هو متوقع؟
كواليس الغضب داخل الأوساط الأثرية
القضية لم تمر مرور الكرام داخل الأوساط الأثرية والأكاديمية، حيث وصفها بعض الخبراء بأنها "جرس إنذار" يكشف عن هشاشة منظومة التأمين داخل أهم متحف في مصر.
الباحث الأثري الدكتور محمود السيد أكد أن فقدان قطعة من الأسرة الـ21 "يمثل كارثة علمية"، لأن القطع الذهبية من تلك الحقبة نادرة للغاية، وتعكس دلالات مهمة حول الطقوس الجنائزية وثراء الملوك في عصر الاضطرابات السياسية.
تشكيل لجنة ومراجعة عاجلة
وزارة الآثار بدورها شكّلت لجنة متخصصة لحصر ومراجعة جميع المقتنيات داخل معمل الترميم، للتأكد من سلامة باقي القطع. وقد أكد مسؤولون أن الأسورة كانت مؤمنة في خزينة خاصة، ما زاد من غموض الحادثة، إذ بدا الأمر وكأنه تمّ بأسلوب احترافي لا يمكن أن يقوم به سوى شخص من الداخل.
مفاجأة الداخلية: الجاني من قلب المتحف
اليوم، كشفت وزارة الداخلية عن المفاجأة الأكبر: مرتكبة الواقعة لم تكن غريبة عن المتحف، بل هي أخصائية ترميم تعمل داخله.
وبحسب البيان الرسمي، فقد استغلت وجودها في العمل يوم 9 سبتمبر الجاري، وقامت بسرقة الأسورة بأسلوب المغافلة، دون أن يلحظ أحد.
رحلة الأسورة من المتحف إلى المسبك
التحقيقات أظهرت أن الأخصائية تواصلت سريعًا بعد السرقة مع تاجر فضة بمنطقة السيدة زينب، والذي اشترى القطعة بمبلغ 180 ألف جنيه. لم يحتفظ التاجر بها طويلًا، بل باعها إلى مالك ورشة ذهب بالصاغة مقابل 194 ألف جنيه.
ومن هناك، انتقلت الأسورة إلى يد عامل بمسبك ذهب، الذي قام بصهرها مع مصوغات أخرى لإعادة تشكيلها، لينتهي أثرها التاريخي الفريد إلى مجرد سبائك بلا هوية.
سقوط العصابة واستعادة الخيوط
وزارة الداخلية أكدت أنه تم ضبط جميع المتورطين في السلسلة: الأخصائية، تاجر الفضة، صاحب ورشة الذهب، وعامل المسبك. كما جرى التحفظ على مبالغ البيع، وإخضاع المضبوطات للفحص لمعرفة إمكانية تحديد ما تبقى من الأسورة.
الواقعة كشفت عن سلسلة استغلال جشع بدأت من موظفة خانت الأمانة، وانتهت عند مافيا صغيرة في سوق الذهب تعاملت مع الأثر وكأنه مجرد معدن خام.
كارثة ثقافية وتاريخية
الجريمة أثارت غضب الأوساط الأثرية والأكاديمية، التي وصفتها بأنها إعدام متعمد لقطعة فريدة لا تعوّض. خبراء الآثار أكدوا أن قيمة الأسورة العلمية والتاريخية تفوق أضعاف قيمتها المادية، إذ تعكس جانبًا مهمًا من طقوس ومظاهر الثراء في عصر الأسرة الحادية والعشرين.
الواقعة سلّطت الضوء على ثغرات واضحة في منظومة تأمين وحماية الآثار داخل المتحف المصري، وأعادت فتح ملف الرقابة على العاملين والمسؤولين عن الكنوز الأثرية.
وبينما تمكّنت الأجهزة الأمنية من كشف الجريمة وضبط الجناة، يبقى السؤال: كيف يمكن منع تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلًا، وضمان أن تبقى كنوز مصر في حرز أمين لا تصل إليه يد الإهمال أو الخيانة؟