"خدعة الحشيش الآمن".. مخدر يغتال العقل والنفس تحت ستار "المباح"
في الوقت الذي تخوض فيه الدولة المصرية معركة حقيقية ضد الإدمان، وتكثف فيها أجهزة الدولة حملاتها لتوعية الشباب بمخاطر المواد المخدرة، هذا وانتشرت جدلية تبرئ "الحشيش" من تهم تغييب العقل، وتصل به إلى حد إباحة تعاطيه دينيا، متجاهلة ما أثبتته الحقائق العلمية والطبية، فضلًا عن موقف الشرع الواضح والصريح بتحريمه.
تصريحات نُسبت إلى أستاذة جامعية في الفقه المقارن، أثارت الجدل، بعد أن روجت لفكرة أن الحشيش لا يُذهب العقل ولا يُقاس على الخمر، وبالتالي لا يُحرم تعاطيه وسرعان ما نشرته بعض المواقع الإخبارية ومستخدمي وسائل التواصل، لتتحول إلى وقود جديد يُغذي المفاهيم المغلوطة لدى الشباب.
لكن هل الحشيش بريء بالفعل من الاتهامات؟ وهل يجوز التعامل معه كمادة غير محظورة؟ وما موقف الدين والعلم من تلك المزاعم؟
حقائق علمية
حسب صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، فإن الحشيش ليس فقط مادة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، بل يمتد ضرره إلى كل أجهزة الجسم. يحتوي الحشيش على مادة “THC” التي تسبب الهلاوس والضلالات، وتؤثر على الإدراك الحسي والزماني والمكاني.
ومن أبرز الآثار المؤكدة لتعاطيه:
- ضمور في خلايا المخ وضعف دائم في التركيز
- تليف في الرئة والتهاب الشعب الهوائية والربو
- ضعف في القدرة الجنسية وفقدان للشهية
- اضطرابات نفسية حادة تشمل الاكتئاب والقلق والسلوك العدواني
كما تشير دراسات الأمم المتحدة إلى أن احتمالية تسبب السائقين المتعاطين للحشيش في الحوادث تزيد بمقدار 3 أضعاف عن غيرهم، وهي إحصائية مرعبة في ظل انتشار تعاطيه بين الشباب.
فتوى قاطعة من دار الإفتاء المصرية: الحشيش محرم شرعًا
في مواجهة هذه التصريحات المثيرة للجدل، جاء موقف دار الإفتاء المصرية حاسمًا؛ إذ أكدت في فتوى منشورة أن تعاطي المخدرات بكافة أنواعها حرام شرعًا تحريمًا قاطعًا، سواء كانت طبيعية أو صناعية، مشيرة إلى أنها تُهلك النفس والعقل، وتدخل ضمن دائرة ما نهى عنه القرآن الكريم في قوله:
“ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” [البقرة: 195].
وشددت الإفتاء على أن حرمة تعاطي المخدرات تشمل أيضًا كل ما يؤدي إلى تداولها أو تسهيل الحصول عليها، وأنها لا تختلف في التحريم عن الخمر، بل قد تكون أشد ضررًا في بعض الأحيان.
رد رسمي من صندوق مكافحة الإدمان: لا تهاون مع التضليل الإعلامي
من جانبه، أعرب صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي عن قلقه العميق من تداول مثل هذه التصريحات التي تتنافى مع جهود الدولة، مؤكدًا أنه يجري حاليًا التنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه من يروّج لمثل هذا الخطاب المدمر.
وأشار الصندوق إلى أن أكثر من 50% من مرضى الإدمان المتقدمين للعلاج عبر الخط الساخن (16023) بدأوا طريقهم مع الحشيش، مما يعكس حجم الخطر الكامن وراء هذا المخدر "الناعم" الذي صار المدخل الأوسع لباب الإدمان.
من الشائعة إلى الواقع.. كيف يساهم الإعلام في شرعنة الإدمان؟
المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في تصريح شاذ أو رأي فردي خارج عن الإجماع العلمي والديني، بل في المنصات التي تعيد إنتاج هذا الخطاب وتمنحه شرعية بالانتشار، فعندما يتحول الرأي الشخصي إلى "عنوان" على موقع خبري، أو مقطع مصور على "السوشيال ميديا"، يبدأ تأثيره في التسرب إلى الوعي الجمعي، خصوصًا لدى الفئات العمرية الأصغر سنًا.
وفقًا لتحليل أجراه صندوق مكافحة الإدمان، فإن الكثير من حالات التعاطي بين الشباب تبدأ بـ "فضول التجربة"، مدفوعة غالبًا بخطابات مروّجة تزعم أن الحشيش لا يسبب الإدمان أو أن ضرره أقل من الخمر أو أنه غير محرَّم، وهي كلها مزاعم يثبت الواقع الطبي والشرعي أنها كاذبة ومدمرة.
الشباب في مرمى النار.. والأرقام لا تكذب
الأخطر أن هذه التصريحات تأتي في وقت تواجه فيه مصر شأنها شأن كثير من الدول تحديات كبرى في تحصين الشباب من الإدمان، خصوصًا مع ارتفاع معدلات التعاطي بين الفئة العمرية من 15 إلى 35 سنة.
وتكشف البيانات الرسمية أن الحشيش يتصدر المواد المخدرة التي يُقبل عليها الشباب، باعتباره "أقل ضررًا" أو "غير مضر على المدى الطويل"، بينما الحقيقة أن معظم من انتهى بهم الطريق إلى الهيروين أو الكريستال أو الترامادول، بدأوا بالحشيش، كمدخل سهل وسريع إلى عالم الإدمان.
مسؤولية جماعية.. كلمة في وجه الخطر
ما يحدث الآن ليس خلافًا فكريًا أو دينيًا يمكن تجاوزه، بل خطر يتطلب تدخلًا عاجلًا من:
- الجهات الدينية: لتوضيح موقف الشرع بوضوح وبأسلوب يصل للشباب
- الجهات الرقابية: لمتابعة ومحاسبة من يروّج لمواد مخدرة تحت غطاء "الرأي"
- وسائل الإعلام: لضبط خطابها وعدم الانجراف وراء "الترندات" المضللة
- المجتمع المدني: لنشر التوعية الواقعية المبنية على التجربة والعلم
أما الدور الأهم، فهو دور الأسرة والمدرسة والجامعة، في خلق بيئة حوار آمنة، تحصن الشباب قبل أن يقعوا فريسة الوهم.
لا مجال للحياد أمام الحشيش
ما بين شائعة "الحشيش مش حرام" وحقيقة "الحشيش يقتل ببطء"، يقف المجتمع في مفترق طرق، إما أن يواجه الخطر بكل شفافية ووعي ومسؤولية، أو يترك المساحات مفتوحة أمام الأصوات المضللة لتعيد إنتاج الإدمان تحت غطاء الدين والعلم.
الوقت ليس في صالحنا، والحشيش ليس مادة للنقاش.. بل أداة قتل بطيء لعقل ووعي أمة بأكملها.