"فاطمة تقهر الأمية في عامها الـ76.. من ضفاف النيل إلى سطور الحروف الأولى"
على ضفاف النيل في أسوان، وتحديدًا في قلب "عروس الجنوب"، كتبت الحاجة فاطمة علي محمد سطرًا جديدًا في دفتر حياتها، ليس بالحبر فقط، بل بالعزيمة والأمل، وهي تقترب من عامها السابع والسبعين، أمسكت بالقلم لتكتب اسمها لأول مرة، وكأنها تكتب شهادة انتصار على سنوات الأمية التي رافقتها منذ الطفولة.
ولدت فاطمة عام 1949، وحين توفي والدها وهي بعدُ طفلة، تخلّت عن المدرسة مضطرة، لا راغبة. كانت الأصغر بين أربعة أشقاء، ووسط مسؤوليات الحياة وقسوة الزمن، غابت فصول التعليم، لكن بقي الحلم حيًا في قلبها: أن تقرأ، أن تكتب، أن تمسك مصحفها وتقرأه بعينها وقلبها.
مرت السنوات، وتزوجت في عمر صغير، وأنجبت تسعة أبناء، علّمتهم جميعًا رغم أنها لم تملك شهادة، فخرجت بناتها الثلاث معلمات، وأبناؤها التحقوا بالتعليم المتوسط. لكنها لم تنس نفسها، ولم تنس الحلم.
وفي لحظة حب نادرة، التقت رغبة الجدة بحماسة الحفيدة آلاء، إحدى حفيدات فاطمة، أخذت على عاتقها أن تمحو أمية جدتها، حرفًا بحرف، كلمة بكلمة.
وحين التحقت آلاء بمبادرة «لا أمية مع تكافل» التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي، كانت فاطمة أول من جلست في مقاعد الدارسين، تكتب بخط مرتجف، لكنه ثابت مثل قلبها.
شيئًا فشيئًا، انقشعت غيوم الجهل، وتقدّمت الحاجة فاطمة لامتحان محو الأمية، لتنجح وتستعد الآن لأداء الاستكتاب والحصول على الشهادة التي حلمت بها طوال عمرها.
تقول آلاء بفخر لا تخفيه: "رديت الجميل لجدتي، مش بس اتعلمت، دي بقت بتستخدم الفيزا والموبايل كمان".
قصة فاطمة أصبحت رمزًا لقوة الإرادة، ولرسالة "لا أمية مع تكافل" التي غيرت حياة آلاف المصريين.
فمن خلال المبادرة التي تشرف عليها الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، تم محو أمية أكثر من 140 ألف رجل وسيدة خلال عامي 2024 و2025، إلى جانب توفير فرص عمل لأكثر من 13 ألف ميسّر وميسّرة على مستوى الجمهورية.
اليوم، لا تكتب فاطمة اسمها فقط، بل تكتب بداية جديدة، تثبت فيها أن العمر مجرد رقم، وأن الحلم لا يعترف بالسن، بل بالإرادة.


