صرخة في وادي التكنولوجيا والرياضة.. وكلمة رصينة في ساحة القضاء

نساء في وجه العاصفة.. من المهندسة إبتهال أبو السعد إلى سفيرة باريس وإلى لاهاي

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

تُبهرنا المرأة كثيرًا، بخلاف ما يعتقد العديد حول طبيعتها، فلم تزل منهُن من يملُكن بصرخة زلزلة العالم، وحبَّذا لو بصرخة جسورة يستفيق لها الرجال، ويرتعد منها الظالم.

في مشهدٍ استثنائي لا يتكرر كثيرًا في كبرى شركات التكنولوجيا، قررت المهندسة المغربية إبتهال أبو السعد أن ترفع صوتها عاليًا في وجه "مايكروسوفت"، حيث تعمل كمهندسة برمجيات في قسم الذكاء الاصطناعي بمقر الشركة في كندا. السبب؟ دعم الشركة للتقنيات المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي في عملياته ضد المدنيين في غزة.

هجومها بسبب دعم الشركة للتقنيات المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي في عملياته ضد المدنيين في غزة
هجومها بسبب دعم الشركة للتقنيات المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي في عملياته ضد المدنيين في غزة

خلال احتفال أقامته الشركة في مدينة ريدموند بواشنطن بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها، قاطعت إبتهال خطاب مصطفى سليمان، المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي، صارخة:
"أنت من تجار الحرب. توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الإبادة الجماعية."

الرد كان مقتضبًا، إذ اكتفى سليمان بالقول: "أسمع احتجاجك. شكرًا لك." ليتم بعد ذلك إخراجها من القاعة، ثم فصلها رسميًا من الشركة، بموجب بند يشير إلى "سوء سلوك متعمد".

فانيا أغراوال.. من الاستقالة إلى إعلان الإقالة

لكن أبو السعد لم تكن وحدها، فقد طال القرار زميلتها ذات الأصول الهندية فانيا أغراوال
لكن أبو السعد لم تكن وحدها، فقد طال القرار زميلتها ذات الأصول الهندية فانيا أغراوال

لكن أبو السعد لم تكن وحدها، فقد طال القرار زميلتها ذات الأصول الهندية فانيا أغراوال، التي سبق وأعلنت نيتها الاستقالة، غير أن مايكروسوفت عجلت بإنهاء خدماتها أيضًا. رسالة واضحة مفادها: لا صوت يعلو على مصالح الشركات، حتى وإن تعلق الأمر بدماء الأبرياء.

إميلي جوميس.. خريطة تُسقِط دورها في الأولمبياد

في فرنسا، واجهت إميلي جوميس، لاعبة كرة السلة السابقة، موجة عاتية من الانتقادات بعد نشرها قصة على "إنستغرام" تظهر فيها علم إسرائيل وهو يغطي خريطة فرنسا تدريجيًا، في تعبير رمزي عن التغلغل الصهيوني. رغم نفيها القاطع لمعاداة السامية أو دعمها لأي تنظيم، إلا أن العاصفة الإعلامية لم ترحمها.

إميلي جوميس
إميلي جوميس

اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024 قررت على الفور سحب دورها كسفيرة للحدث، معتبرة أن منشورها يتعارض مع "مبدأ الحياد الرياضي". وفي بيانها الرسمي، عبّرت اللجنة عن أسفها لما حدث، مشيرة إلى أن "جوميس قد اعتذرت وأدانت معاداة السامية"، لكن ذلك لم يكن كافيًا لحمايتها من الإقصاء.

عديلة حسيم.. منبر لاهاي بصوت الجنوب

من منصة محكمة العدل الدولية، وقفت عديلة حسيم، المحامية الجنوب إفريقية، مدافعة عن الفلسطينيين بصلابة القانون وعدالة الضمير. بصوتٍ هادئ ونبرة صارمة، سردت أمام العالم خروقات إسرائيل، مجرّدة العدوان من كل شرعية ممكنة.

عديلة حسيم.. منبر لاهاي بصوت الجنوب
عديلة حسيم.. منبر لاهاي بصوت الجنوب

عديلة لم تمثل حكومة جنوب إفريقيا فقط، بل حملت معها وجع الأرض المحروقة، وصوت من لا صوت لهم. قالت:
"نحن هنا لنضع الحق في مواجهة القوة، ونؤمن أن لا أحد فوق القانون، حتى إسرائيل."

كلماتها ترددت بين جدران لاهاي كما لو كانت تصفع الادعاءات الغربية بالحياد الزائف، مؤكدة أن القانون الدولي لا يمكن أن يغض الطرف عن إبادة جماعية مستمرة أمام مرأى العالم.

نساء وقفن لأجل القضية

من كندا إلى فرنسا، ومن لاهاي إلى غزة، يتكرر المشهد ذاته: نساءٌ يكسرن الصمت، يواجهن العزلة والطرد، ويتحمّلن الثمن من أجل صوت الحقيقة. هؤلاء لسن ناشطات عاديات؛ بل نساء في عمق الأنظمة، اخترن الانحياز للأخلاق لا للمصالح، للوطن لا للوظيفة.

ورغم اختلاف السياقات، تتلاقى قصصهن عند مفترق النضال لأجل فلسطين، القضية التي كشفت زيف الادعاءات بالديمقراطية والحرية، حتى في أعظم الديمقراطيات المزعومة.

عندما تكون الكرامة أغلى من المناصب

قصة إبتهال أبو السعد ليست مجرد احتجاج فردي، بل نموذج لصراع أكبر بين المبادئ ومصالح الشركات، بين الإنسانية والحياد الزائف. ومعها، تسير إميلي جوميس وعديلة حسيم، وغيرهن كثيرات، في طريق واحد: طريق الدفاع عن الكرامة، مهما كانت التكاليف.

فمن قال إن البطولة حكر على من يحمل السلاح؟ أحيانًا، يكفي أن تقولي "لا" في اللحظة التي يخاف فيها الجميع من الكلام.