زيارة ماكرون لمصر تشعل مواقع التواصل وتبرز أبعادًا سياسية وثقافية وسط تصاعد التوترات العالمية
في ظل انشغال وسائل الإعلام الفرنسية باضطرابات الأسواق الأوروبية نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية، حظيت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي باهتمام واسع النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، حيث انعكست أصداء الزيارة على الساحة الإعلامية والشعبية، محققة تفاعلًا لافتًا بين رواد الإنترنت والمراقبين السياسيين.
استهل ماكرون زيارته بجولة خاصة في المتحف المصري الكبير، الذي يُنتظر افتتاحه رسميًا في الثالث من يوليو المقبل.
يضم المتحف أكثر من 50 ألف قطعة أثرية نادرة من كنوز الحضارة المصرية القديمة، أبرزها المجموعة الذهبية للملك توت عنخ آمون، ما يعكس اهتمامًا فرنسيًا بالتراث الثقافي المصري والتعاون في مجال السياحة والآثار.
وقبيل هبوط طائرته، شارك ماكرون مقطع فيديو على حسابه في منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، يظهر طائرة مصرية من طراز رافال، فرنسية الصنع، ترافق طائرته فوق الأجواء المصرية، معلقًا بأن هذه اللحظة تمثل "رمزًا قويًا لتعاوننا الاستراتيجي"، في إشارة واضحة إلى الشراكة الدفاعية بين البلدين.
وقد اعتبر كثير من المتابعين هذا المشهد دلالة على تلاحم سياسي وعسكري عميق بين القاهرة وباريس، حيث قالت إحدى المعلقات: "مشهد جعل كل مصري فخورًا برؤية القيادة السياسية وهي تطور وتحدث القوات المسلحة وتنوع مصادر السلاح".
من جانبه، أشاد الكاتب المصري محمد فتحي بفريق العمل المصري الذي رتب لزيارة ماكرون، واصفًا الاستقبال بأنه "ذكي ومدروس"، بدءًا من الطائرة الحربية، وصولًا إلى جولته في سوق خان الخليلي الأثري، الذي يُعد من أبرز معالم القاهرة التاريخية.
وشارك الرئيس الفرنسي كذلك مقاطع مصورة من جولته في خان الخليلي، حيث لقي استقبالًا شعبيًا حارًا من الأهالي والزوار. وقد أرفق الفيديو بمقطع من أغنية "حلوة يا بلدي" للمغنية داليدا، التي وُلدت في حي شبرا بالقاهرة، واكتسبت شهرة عالمية في فرنسا، في لفتة تحمل رمزية ثقافية عابرة للحدود.
وعلّق المتحدث باسم الرئاسة المصرية على هذه الزيارة، موضحًا أن الزعيمين سيوقعان عددًا من الاتفاقيات الثنائية في مجالات اقتصادية متنوعة، ضمن توجه لتعزيز العلاقات المشتركة وفتح آفاق جديدة للتعاون في ظل تحديات اقتصادية عالمية.
وقد ربط عدد من المراقبين بين توقيت زيارة ماكرون إلى مصر وتداعيات السياسة الحمائية الأمريكية، حيث فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية على واردات من أكثر من 200 دولة ومنطقة، ما يدفع بعض الدول الأوروبية لإعادة رسم خريطة تحالفاتها وشراكاتها الاقتصادية.
في أثناء ذلك، تداولت وسائل الإعلام المصرية تصريحات للرئيس السيسي خلال حديثه مع ماكرون، حيث أعرب عن حنينه لذكريات المنطقة التي شهدت تعايش اليهود والإنجليز واليونانيين والأرمن، في دلالة على عمق القاهرة التاريخي وتنوعها الثقافي.
وانتشرت صور للرئيسين وهما يتناولان العشاء في مطعم "نجيب محفوظ" الشهير، الذي يقع وسط خان الخليلي، حيث رأى البعض أن هذا الاختيار يعكس مزيجًا من الرمزية التاريخية والثقافية، لا سيما مع ارتباط نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب وتجسيده لتاريخ القاهرة القديمة في أعماله.
ورغم الإشادات، لم تخلُ التعليقات من النقد، فقد أشار بعض المتابعين إلى أن اهتمام الزعماء العالميين بالمناطق الأثرية يبرز مدى ضعف الحضور السياحي والثقافي للعاصمة الإدارية الجديدة، التي تستحوذ على استثمارات ضخمة رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وكتب الباحث عمار علي حسن: "لن يطلب أحد من زوار مصر زيارة أكبر مسجد أو أطول برج... لأنهم يدركون أن التوسع في الرخام يقترن بتدهور الذوق"، في إشارة إلى التوجه الرسمي نحو المباني الفاخرة على حساب التراث الأصيل.
أما المحلل السياسي محمد السطوحي، فقد اعتبر أن اهتمام ماكرون بالمناطق الأثرية يجب أن يكون بمثابة رسالة للحكومة المصرية "كلما قررت هدم منطقة تراثية لصالح مشروع بنية تحتية"، مذكرًا بأن باريس نفسها لا تسمح بتغيير حتى مقبض باب في بيت قديم دون موافقة الجهات المختصة.
وذهب البعض إلى المقارنة بين مشاهد القاهرة القديمة وما يجري في قطاع غزة من دمار، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية للحرب المستمرة هناك.
وفي سياق الزيارة، عُقدت قمة ثلاثية ضمت الرئيسين السيسي وماكرون والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ناقشت بشكل موسع الوضع في قطاع غزة، حيث أكدت الرئاسة الفرنسية أهمية دور مصر والأردن في دعم جهود وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في الأراضي الفلسطينية.
واختتم ماكرون زيارته بالتوجه إلى ميناء العريش المصري، الواقع على بُعد 50 كيلومترًا من قطاع غزة، لتسليط الضوء على الجهود الإنسانية، حيث التقى بالعاملين في المجال الإغاثي والأمني وأكد دعم بلاده الكامل لإيصال المساعدات ووقف التصعيد العسكري.
وتؤشر زيارة ماكرون إلى مصر إلى تحولات ملحوظة في طبيعة العلاقات الإقليمية والدولية، حيث تلتقي السياسة بالثقافة في مشهد يعكس ثقل مصر التاريخي وأهميتها المحورية في قضايا المنطقة والعالم.
