تراجع جماعي يعصف بالأسواق الأوروبية
ضربة موجعة للأسواق.. هل بدأت البورصات الأوروبية العد التنازلي لانهيار مالي عالمي؟

افتتحت البورصات الأوروبية تداولاتها صباح الاثنين على وقع صدمة عنيفة، حيث تكبّدت المؤشرات الرئيسية خسائر حادة وسط أجواء من القلق المتصاعد في الأوساط الاقتصادية، مدفوعة بموجة الذعر التي انطلقت من الأسواق الآسيوية. وجاء هذا الانهيار في ظل إصرار الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، على تنفيذ سياسة الحماية التجارية، ما زاد الضغوط على المستثمرين حول العالم وأربك قراراتهم.
وشهدت بورصة فرانكفورت الألمانية أكبر الخسائر، متراجعة بنسبة 7.86%، بعد أن وصلت في وقت مبكر إلى انخفاض تجاوز 10%، في مشهد نادر يعكس عمق الأزمة. ولم تكن بورصة باريس بعيدة عن التأثر، إذ فقدت 6.19% من قيمتها، بينما سجلت بورصة لندن خسائر بنحو 5.83%، وتراجعت بورصة ميلانو بنسبة 2.32%، كما هوت السوق السويسرية بنسبة 6.82%.
خلفيات الانهيار.. تصعيد أميركي وتوجّس عالمي
تعود أسباب هذا الانهيار إلى تصاعد وتيرة الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة، حيث تمسكت واشنطن بفرض رسوم جمركية صارمة على واردات من شركائها التجاريين، ما أثار ردود فعل عنيفة في الأسواق. وتتزامن هذه التطورات مع مخاوف حقيقية من دخول الاقتصاد العالمي في نفق مظلم بسبب تقاطع الأزمات الجيوسياسية والضغوط التضخمية وارتفاع تكاليف الاقتراض.
ولم تكن البورصات الأوروبية بمنأى عن هذه العاصفة، إذ يشكل الاقتصاد الأوروبي أحد المتضررين الرئيسيين من التوترات العالمية، في ظل اعتماده الكبير على التجارة الخارجية وتكامل سلاسل التوريد عبر القارات.
أثر العدوى.. من آسيا إلى أوروبا
تأثرت أوروبا بانهيارات بدأت في الأسواق الآسيوية، حيث شهدت مؤشرات مثل نيكي الياباني وشنغهاي الصيني تراجعات حادة دفعت المتداولين إلى الهروب الجماعي من الأصول الخطرة نحو الملاذات الآمنة. وسرعان ما انتقلت هذه العدوى المالية إلى أوروبا، لتظهر التداعيات السريعة في بورصات القارة، متسببة في خسائر بعشرات المليارات من الدولارات خلال ساعات قليلة فقط.
المخاوف القادمة.. هل يلوح شبح الركود؟
المراقبون للأسواق يعتقدون أن استمرار السياسات الاقتصادية العدوانية من جانب بعض القوى الكبرى، قد يفتح الباب على مصراعيه أمام موجة ركود عالمية، خاصة في ظل مؤشرات سابقة على تباطؤ النمو في العديد من الدول الأوروبية. كما أن الاضطراب الحاد في البورصات يمثل مؤشرًا سلبيًا على ثقة المستثمرين، وهو ما قد ينعكس على قرارات الاستثمار والإقراض مستقبلًا.
كما تُثير هذه الهزات التساؤلات حول قدرة البنوك المركزية الأوروبية على مواجهة تداعيات هذه الصدمة الجديدة، في وقت أصبحت فيه أدوات السياسة النقدية محدودة، نظرًا لفترات طويلة من أسعار الفائدة المنخفضة وسياسات التيسير الكمي.
سيناريوهات محتملة.. بين التهدئة والتصعيد
في ظل هذه المعطيات، تتراوح التوقعات بين احتمال تهدئة التوترات التجارية إذا ما تم التوصل إلى تفاهمات دولية في قمة اقتصادية قريبة، وبين سيناريوهات أكثر تشاؤمًا تقود إلى مزيد من التصعيد والانهيارات، لا سيما إذا ما اندلعت حرب عملات موازية أو تعثرت الاقتصادات الكبرى في احتواء التضخم المتسارع.
وفي جميع الأحوال، فإن قدرة الأسواق على التعافي ستعتمد على مدى استجابة الحكومات والمؤسسات المالية لمتطلبات المرحلة، ومدى قدرتها على بث رسائل طمأنة فورية للمستثمرين.