مصر في مرمى الرسوم.. والعين على فرص النجاة
"الكويز".. طوق نجاة للمنتجات المصرية أم مظلة مؤقتة أمام عاصفة الرسوم الأميركية؟

بينما تشتد حدة المواجهة التجارية العالمية إثر سياسة الحماية الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة، والتي تمثلت في فرض رسوم جمركية على واردات من أكثر من 180 دولة، تجد مصر نفسها وسط هذا المعترك، متأهبة لتقليل الخسائر والاستفادة من المساحات الآمنة المتاحة. إحدى أبرز هذه المساحات هي اتفاقية "الكويز"، التي قد تشكل درعًا جزئيًا أمام التصعيد الأميركي الجديد.
ماذا لدينا حول اتفاقية "الكويز"؟
وقّعت مصر اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة المعروفة بـ "الكويز" عام 2004، بالشراكة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. تسمح هذه الاتفاقية للمنتجات المصرية، خاصة الملابس الجاهزة والمنسوجات، بالدخول إلى الأسواق الأميركية دون جمارك، شريطة أن تحتوي تلك المنتجات على مكوّن إسرائيلي بنسبة لا تقل عن 10.5% من القيمة المضافة.
وقد أسهمت "الكويز" في تعزيز قدرة المنتجات المصرية على التنافس في السوق الأميركي، حيث تستحوذ الملابس الجاهزة المُصدّرة ضمن الاتفاقية على الحصة الأكبر من الصادرات المصرية للولايات المتحدة، والتي بلغت العام الماضي نحو 3.5 مليار دولار.
رسوم ترامب: ضربة شاملة باستثناءات محدودة
في الوقت الذي طالت فيه الرسوم الجمركية الأميركية غالبية الدول، جاءت الإجراءات ضد مصر ضمن قائمة الدول التي فرضت عليها واشنطن تعريفة موحدة بنسبة 10%، باعتبارها من الدول ذات العجز التجاري المنخفض مع الولايات المتحدة. وبناء على ذلك، تم استثناء السلع الداخلة ضمن اتفاقية "الكويز" من هذه الرسوم، وهو ما قلّص نسبيًا تأثير القرار على الاقتصاد المصري.
ومع ذلك، فإن النسبة المستفيدة من "الكويز" تظل محدودة، لا تتجاوز 5% من إجمالي الصادرات المصرية للولايات المتحدة، ما يعني أن الجزء الأكبر من التجارة الثنائية لا يزال عرضة لتقلبات السياسة الأميركية.
تداعيات محتملة على الاقتصاد المصري
تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن فرض الرسوم الأميركية، إذا استمر دون إجراءات موازية لتحفيز الاقتصاد، قد يؤدي إلى سيناريوهين:
تباطؤ اقتصادي في الداخل الأميركي نتيجة انخفاض الطلب الاستهلاكي وركود الاستثمارات، ما قد ينعكس سلبًا على واردات الولايات المتحدة من الخارج، ومنها الواردات المصرية.
ارتفاع معدلات التضخم داخل أميركا، مما يضع الفيدرالي الأميركي في مأزق مزدوج بين محاولات السيطرة على الأسعار وتجنب التباطؤ الاقتصادي، وهو ما قد ينعكس على سعر الفائدة عالميًا.
وفي الحالتين، ربما تتأثر مصر بشكل غير مباشر عبر قنوات مثل:
- تراجع الطلب على الصادرات المصرية.
- انخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع حركة الشحن.
- تراجع المعروض من الدولار، ما قد يضغط على قيمة الجنيه المصري.
احتمالية هروب رؤوس الأموال الأجنبية من السوق المصري إلى السوق الأميركي إذا ارتفعت الفائدة هناك، ما يزيد من أزمة النقد الأجنبي والتضخم محليًا.
فرصة أم عبء؟ قراءة موضوعية في مستقبل "الكويز"
رغم أنها تشكل فرصة حقيقية لتأمين منفذ تصديري معفى من الرسوم، إلا أن اتفاقية "الكويز" ما زالت تُحاط بجدل محلي بسبب ارتباطها بمكون إسرائيلي، مما يجعل التوسع في الاعتماد عليها أمرًا غير مضمون سياسيًا أو شعبيًا. كما أن الاتفاقية تخدم في الوقت الحالي قطاعًا محدودًا من الصادرات المصرية.
ووفقًا للرصد الاقتصادي الجاري، فإن استمرار الحرب التجارية العالمية قد يعيد ترتيب الأولويات لدى صناع القرار في مصر، ليتم النظر إلى "الكويز" كأداة انتقالية مؤقتة وليست استراتيجية طويلة المدى، في ظل الحاجة الملحة إلى تنويع الصادرات، وتوقيع اتفاقيات أوسع مع تكتلات اقتصادية أخرى.
توقع: هل تحمي "الكويز" مصر من الموجة الثانية للرسوم؟
استنادًا إلى الاتجاهات الحالية في السياسة التجارية الأميركية، ومع دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة تضخم مرتفع، فإن احتمال استمرار فرض الرسوم الجمركية على دول العالم وارد، بل قد يتم توسيعها.
وتشير التحليلات إلى أن الموجة الثانية من هذه الرسوم قد تكون أكثر شمولًا، ولن تستثني إلا الدول التي تحظى بعلاقات تجارية استراتيجية واضحة ومحددة. وبالتالي، فإن "الكويز" قد توفر مظلة مؤقتة للمنتجات المصرية، لكن الاعتماد عليها وحدها دون توسيع القاعدة الصناعية والبحث عن شراكات بديلة، سيجعل الاقتصاد المصري عرضة لهزات أكبر في المستقبل.