أكل العيش بَتْر.. كيف يتعامل القانون مع المهن والوظائف الخطِرة؟
عاوز حقي.. ذراعي اتقطع حرام".. مأساة عامل سيرك طنطا بعد هجوم النمر

لم يكن محمد يتخيل أن ليلة العيد ستتحول إلى كابوس يطارده مدى الحياة، فقد كان يستعد لبدء حياة جديدة بعد خطوبته، ويحلم بيوم زفافه الذي كان مقررًا بعد العيد مباشرة. لكن في لحظة خاطفة، تبددت أحلامه عندما هاجمه نمر أبيض داخل السيرك أثناء تأدية عمله، ليجد نفسه بعد ساعات مستلقيًا على سرير المستشفى، فاقدًا ذراعه للأبد. بصوت متهدج وبعيون مليئة بالحسرة، قال: "عاوز حقي.. دراعي اتقطع حرام.. مش عاوز غير حقي".
تفاصيل الهجوم: لحظة غيرت حياته
يروي محمد، الذي يعمل في السيرك منذ عشر سنوات، كيف باغته النمر الأبيض بينما كان يؤدي عمله المعتاد، حيث كان يقوم بربطه من خارج القفص أثناء العرض، بينما كانت المدربة داخل القفص تتفاعل مع الجمهور. لم يكن يتوقع أن يتحول هذا النمر، الذي اعتاد التعامل معه، إلى وحش كاسر يهاجمه فجأة.
ويضيف بأسى: "المدربة خافت على نفسها.. النمر كان يحاول يسيبني ويهجم عليها، لكنها لم تتصرف كما هو معتاد ولم تحاول السيطرة عليه بالعصا أو الشوكة." لم يستطع أحد إنقاذه في الوقت المناسب، وكانت النتيجة فقدانه لذراعه، وصدمة نفسية سترافقه طوال حياته.
الأسرة في صدمة: "كنا بنجهز للفرح"
التقت وسائل الإعلام بأسرة محمد، التي ما زالت تحت تأثير الصدمة، خاصة والده الذي لم يصدق الخبر في البداية. يقول الأب بحزن: "محمد كان خاطب، وفرحه كان بعد العيد.. كان بيحلم بحياة جديدة، لكن كل شيء انتهى فجأة."
الأب الذي يعمل محفظًا للقرآن الكريم لم يكن يتخيل أن يومًا ما سيحمل ذراع ابنه المبتور لدفنه، ويضيف: "شقيقيه الاثنين مصدومين، وإحنا مش عارفين إزاي نكمل حياتنا بعد اللي حصل."
دعم ومساعدة بعد الفاجعة
بعد الحادث، تلقى محمد زيارة من أشرف الحلو، أحد أشهر مدربي الأسود في مصر، والذي حرص على التواجد إلى جانبه ودعمه نفسيًا. كما تواصل محافظ الغربية معه، وساعده في إنهاء إجراءات علاجه بالمستشفى، في محاولة لتخفيف وطأة المصاب عنه وعن أسرته.
القرار القانوني: دفن الذراع والتحقيق في الواقعة
قررت نيابة أول طنطا التصريح بدفن الذراع المبتور، كما فتحت تحقيقًا لمعرفة ملابسات الحادث والمسؤول عن تقصير إجراءات السلامة في السيرك. وتم إرسال مذكرة رسمية إلى قسم أول طنطا بشأن قرار الدفن، في المحضر رقم 8973 لسنة 2025 جنح أول طنطا.
الجانب الطبي: معركة لإنقاذ حياته
عقب الحادث، نُقل محمد بسرعة إلى مستشفى طوارئ جامعة طنطا، حيث خضع لجراحة معقدة استغرقت 4 ساعات، شارك فيها أطباء متخصصون في الجراحة العامة، والعظام، والأوعية الدموية، والتجميل. لم يكن هناك خيار سوى بتر الذراع لإنقاذ حياته، وهي اللحظة التي وصفها الأطباء بالأصعب خلال العملية.
طبيعة تعامل وتدريب النمور البيضاء
النمور البيضاء هي نمور بنغالية تحمل لونًا أبيض ناتج عن طفرة جينية نادرة تؤدي إلى غياب اللون البرتقالي التقليدي الذي يشتهر به النوع. هذه النمور لا توجد في البرية بشكل طبيعي، بل يتم تربيتها فقط في الأسر مثل حدائق الحيوان أو ضمن المقتنيات الخاصة للأفراد. الطفرة الجينية التي تؤدي إلى هذا اللون الأبيض تسبب أيضًا بعض التحديات الصحية في بعض الأحيان، مثل ضعف الرؤية أو مشاكل في الجهاز العصبي، لكن لا تؤثر على قدرتها في الصيد أو العيش في بيئات الأسر.

أما بالنسبة لسبل حماية النمور البيضاء، فإنها غالبًا ما تظل في حديقة الحيوان أو محميات خاصة حيث يُعنى بها بحذر شديد. تكمن أهمية الحماية في توفير بيئة آمنة حيث يمكن لهذه النمور أن تعيش وتتكاثر دون تهديدات خارجية. نظرًا لأن النمور البيضاء ليست مهددة بالانقراض من خلال عمليات الصيد غير المشروع أو تدمير موائلها الطبيعية مثل النمور البرية، فإن الحماية تركز بشكل أكبر على الحفاظ على سلامتها الصحية وضمان تكاثرها في بيئات مدارة بشكل جيد.
كيف يتم تدريب هذه النمور؟
من ناحية التعامل مع النمور البيضاء، يتم تدريبها في الأسر تحت إشراف بيئي ورعاية متخصصة لضمان رفاهيتها. يُعتمد على الأطباء البيطرين والمتخصصين في سلوك الحيوانات لمتابعة حالتها الصحية والبدنية. يتم توفير بيئة مهيأة تحاكي بيئتها الطبيعية قدر الإمكان، مع تأكيد على أهمية عدم المساس بخصوصيتها أو التعامل معها بشكل غير آمن، لتفادي إلحاق أي ضرر بها أو إثارة التوتر.
هل يتم تعويض محمد؟.. مطالبات بحقوق العاملين بالسيرك
تسبب الحادث في إثارة الجدل حول حقوق العاملين في السيرك، وسط مطالبات بتوفير تأمين صحي وتعويضات للعاملين الذين يتعرضون لمخاطر جسيمة أثناء عملهم. ويؤكد محمد: "مش عاوز غير حقي.. اشتغلت في السيرك من سن صغير، ودلوقتي بقيت من غير ذراع.. لازم حد يعوضني."
ويطالب خبراء في مجال السلامة المهنية بوضع قوانين واضحة لضمان حماية العاملين في هذه المهن الخطرة، خاصة في ظل تكرار حوادث هجوم الحيوانات المفترسة داخل السيرك.
مستقبل مجهول ومطالب بالتعويض
بين ليلة وضحاها، فقد محمد حياته كما يعرفها، وأصبح عليه أن يواجه مستقبلًا مجهولًا بذراع واحدة. كان يحلم بالاستمرار في العمل بالسيرك، لكن حلمه انتهى عند لحظة هجوم النمر. والآن، ينتظر محمد أن يحصل على حقه، ليس فقط في تعويض مادي، ولكن في الاعتراف بمعاناته وضمان عدم تكرار هذا السيناريو المأساوي مع غيره من العاملين.
هل ستتحرك الجهات المعنية لإنصافه؟ أم ستظل حقوق عمال السيرك مهددة وسط مخاطر العمل مع الحيوانات المفترسة؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.