عادل حمودة يكتب: ٦٣٤٠٠ وثيقة سرية تفضح عمليات الاستخبارات الأمريكية

لم يكن النقيب «هارى أندرهيل» مجرد ضابط عادى فى الجيش الأمريكى وإنما كان ضابط مخابرات فى الحرب العالمية الثانية نجح فى فك شفرة الجيش الألمانى وكشف خطط قادته وشتت وحداته العسكرية.
فى ذلك الوقت كانت المخابرات الأمريكية تتستر تحت اسم «مكتب الخدمات الاستراتيجية» الذى كان نواة وكالة المخابرات المركزية» التى تأسست فى ١٨ سبتمبر ١٩٤٧.
خرج «أندرهيل» من الحرب العالمية الثانية بأوسمة ونياشين وعلاقات وثيقة مع جنرالات البنتاجون وضباط الوكالة.
فى ليلة ٢٣ نوفمبر ١٩٦٣ بالتحديد بعد ساعات من اغتيال الرئيس الأمريكى «جون كينيدى» وقف «أندرهيل» أمام باب بيت أحد أصدقاؤه فى «نيو جيرسى» وهو مذعور يرتجف بشدة ولكنه لم يكن يهذى بل كان متزنا كما أكد أصدقائه فيما بعد.
كان واضحا أنه يرى أمامه مصيبة لكنه لم يفقد السيطرة على نفسه.
قال بصوت خافت:
ــ قتلوا كينيدى.. جماعة الاستخبارات المركزية قتلوه.. مش كل الوكالة.. لكن.. مجموعة مارقة فيها.. مجموعة لها مصالح قذرة فى تهريب السلاح والمخدرات.. كانوا يكسبون الملايين.. لكن قبل أن يفضحهم كان لا بد أن يتخلصوا منه.. كان لازم يختفى.
لكن بعد ستة أشهر صدم الجميع عندما أعلن خبر وفاة النقيب «هارى أندرهيل».
وجدوه مقتولا فى شقته فى «واشنطن» برصاصة فى الرأس وسجل الطبيب الشرعى الحالة على أنها انتحار ولكن الشك فى اغتياله كان مقنعا.
سجلت هذه الواقعة وثيقة من وثائق وكالة الاستخبارات المركزية التى كشف عنها فى مساء ١٨ مارس ٢٠٢٥ بأمر من الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
كان «ترامب» قد وعد فى رئاسته الأولى بالكشف وثائق اغتيال «جون كيندى» ولكن مدير المخابرات المركزية «مايك بومبيو» نجح فى تحجيم رغبته فلم تكشف وثائق ذات قيمة.
لكن هذه المرة نفذ وعده فى حملته الانتخابية وأجبر الأرشيف القومى الأمريكى على أن يفرج عن ٢١٨٢ ملفا تضم ٦٣٤٠٠ صفحة من السجلات الرسمية.
سبق أن نشر الكثير من هذه الوثائق ولكن بعد شطب أجزاء كثيرة منها لكنها هذه المرة نشرت كاملة.
المعروف أن «كينيدى» قتل فى مدينة «دالاس» ولاية «تكساس» يوم ٢٢ نوفمبر ١٩٦٣ برصاصات صدمت العالم كله.
اتهم بتنفيذ الجريمة «لى هارفى أوزوالد» الجندى السابق فى البحرية الأمريكية وكان عمره لا يزيد عن ٢٤ عاما وحملت ملفاته السرية معلومات مثيرة فى حياته.
فى شتاء عام ١٩٥٩ انشق ولجأ إلى الاتحاد السوفيتى ولكنه عاد إلى الولايات المتحدة عام ١٩٦٢.
وحسب الرواية الرسمية توارى «أوزوالد» فى الدور السادس من مستودع الكتب المدرسية وأطلق النار.
بعد يومين قتل «أوزوالد» أثناء نقله إلى السجن برصاص مالك ملهى ليلى هو «جاك روبى» وضاعف الحادث من عواصف الشكوك التى اجتاحت الدنيا كلها.
سارع الرئيس «ليندون جونسون» إلى تشكيل لجنة تحقيق عرفت باسم لجنة «وارن» نسبة إلى «إبريل وارن» رئيس المحكمة العليا.
لم تصل اللجنة إلى نتيجة ترضى الرأى العام ورفض ٦٢٪ من الأمريكيين ــ حسب استطلاع معهد جالوب فى عام ٢٠٢٣ ــ ما توصلت إليه ومنذ ذلك الوقت ولمدة تزيد عن ستين سنة لا يزال اغتيال «كينيدى» أكبر لغز فى جرائم الاغتيال السياسى.
لكن هل ستحل الوثائق التى أمر «ترامب» بكشفها كاملة اللغز أم أنها ستزيده تعقيدا؟
من بين الوثائق المفرج عنها شهادة غير منقحة أدلى بها «جيمس جيسوس انجلتون» كبير مسئولى مكافحة التجسس فى وكالة الاستخبارات المركزية.
كشفت شهادة «انجلتون» أمام لجنة فى مجلس الشيوخ أن «أوزوالد كان تحت مراقبة الوكالة قبل اغتيال كينيدى بشهر وفى ذلك الوقت زار القنصلية الكوبية ليحاول الحصول على تأشيرة من السفارة السوفيتية ليسافر إلى موسكو.
وكشفت وثيقة أخرى تاريخها ٢٠ نوفمبر ١٩٦١ أن علاقة «أوزوالد» بزوجته الروسية «مارينا» كانت متوترة ورغم خدمته العسكرية كان «أوزوالد» ضعيفا فى الرماية كما إنه بشهادة «سلافا نيكونوف» المسئول السابق فى المخابرات السوفيتية ــ لم يكن عميلا لهم.
نحن أمام شخص متوتر ومتزوج من روسية وتردد على موسكو ولم تستطع المخابرات السوفيتية تجنيده وضعيف فى الرماية وكان تحت المراقبة الأمنية فكيف تركته المخابرات الأمريكية يتصرف بحرية ويقتل رئيس الدولة بهذه السهولة ولم تقبض عليه أو تحقق معه ثم تركته يقتل برصاص صاحب «كباريه»؟
هل أرادت أن يكون كبش فداء؟
هل أرادت التخلص منه قبل أن يكشف سترها؟
وفى وثيقة أخرى نجد رسالة لم تنشر من قبل ادعى فيها رجل يسمى «سيرجى تشورنو» إنه حذر وزارة الخارجية الأمريكية من اغتيال كينيدى قبل ثلاثة أشهر من الحادث.
نسب «سيرجى تشورنو» معلوماته إلى «بيسيرا أسينوفا» صديقه القنصل السوفيتى فى صوفيا عاصمة بلغاريا الذى أخبره بوضوح:
أن «لى هارفى أوزوالد قاتل وسوف يقتل كينيدى فى تكساس».
إلى هذا الحد حدد الرجل القاتل والقتيل ومكان الجريمة.
لكن لم يستمع إليه أحد وإنما خرج فيما بعد ليتهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية بأنهم حقنوه بمخدر أفقده الذاكرة لبعض الوقت.
لكن لو كانت الوكالة وراء قتل كينيدى فما السبب؟
فى الوثائق المفرج عنها تبرز وثيقة عبارة عن مذكرة غير منقحة كتبها «أرثر شيلزنجر» مساعد كينيدى عام ١٩٦١.
ناقش «شيلزنجر» فى المذكرة فكرة تفكيك الوكالة بعد فشل عملية «خليج الخنازير» فى كوبا.
العملية دبرتها الوكالة لغزو كوبا وإسقاط نظام «فيديل كاسترو» الشيوعى هناك.
لكن الاتحاد السوفيتى تدخل لحماية كوبا وحماها بشبكة من الصواريخ التى تصل إلى العمق الأمريكى ومن جانبها استعدت الولايات المتحدة بنشر صواريخ بالقرب من الاتحاد السوفيتى وكادت المواجهة المحتملة تصبح حربا عالمية ثالثة لولا حكمة «كينيدي» وتدخله بسحب الصواريخ الأمريكية.
وألقى «كينيدى» اللوم على وكالة الاستخبارات المركزية ووجه مساعده إليها انتقادات قاسية قائلا:
ــ إن الوكالة تجاوزت سلطتها حتى أصبحت دولة داخل الدولة.
أضاف:
ــ لا أحد يعلم إلى أى مدى تسببت عمليات الوكالة السرية فى مشاكل للسياسة الخارجية الأمريكية ولا أحد يعلم إلى أى مدى خلقت الوكالة المتاعب لنا مع حلفائنا؟
واقترح «شيلزنجر» تفكيك الوكالة إلى وكالتين.
إحداهما متخصصة فى جمع المعلومات السرية وشبه العسكرية والأخرى تركز على المعلومات وتحللها.
تكشف هذه الوثيقة عن مدى فقدان الثقة بين الرئيس الأمريكى وأهم أجهزة استخباراته.
بعد عملية ممر الخنازير أطلق «كينيدي» تصريحه الشهير ضد الوكالة متوعدا بتفكيكها بالكامل قائلا:
ــ سأمزق وكالة الاستخبارات المركزية إلى ألف قطعة ثم ابعثرها فى الرياح.
ومن جانبها لم تقر الوكالة فى التنصت على «كينيدى» وتصويره هو وشقيقه «روبرت» وهما يمارسان الجنس مع «مارلين مونرو».
وعلى ما يبدو كان على الوكالة أن تفطر به قبل أن يتعشى بها.
والحقيقة أن الوكالة فى ذلك الوقت كانت تسعى إلى إثبات نفسها مهما كان الثمن كما أنها سيطرت على السلك الدبلوماسى وفرضت عملائها فى المؤسسات السياسية المختلفة بما فيها البيت الأبيض نفسه.
لقد كان نحو ١٥٠٠ ضابط مخابرات يخدمون فى السفارات الأمريكية تحت غطاء دبلوماسى وفى باريس وحدها زرعت الوكالة ١٢٨ عميلا لها فى السفارة الأمريكية هناك ولم تسمح الوكالة للسفراء ومساعديهم بالاتصال بالشخصيات السياسية الأجنبية وتولت هذه المهمة نيابة عنهم.
ولم تقتصر الوثائق المفرج عنها عن عملية اغتيال «جون كينيدى» وإنما كشفت عن قضايا غامضة أخرى.
فى نوفمبر ١٩٦٢ تلقت المخابرات الأمريكية بلاغا من مجهول المصدر عن سفينة يعتقد أنها تستخدم فى تهريب السلاح.
الأسلحة المهربة تتولاها جماعة تسمى «الفا ٦٦» وهى جماعة شبه عسكرية مناهضة للرئيس الكوبى «فيديل كاسترو» لكن المفاجأة التى ظهرت عند التحقيق فى البلاغ هى أن السفينة لم تكن إلا حاملة الطائرات الأمريكية «بوتوماك» وكانت اليخت الرئاسى السابق للرئيس «فرانكلين روزفلت».
«بوتوماك» عاشت مليئة بالمفارقات بعد أن غادرت الأسطول الرئاسى فقد امتلكها «الفيس بريسلى» ثم استخدمت كعبارة فى البحر الكاريبى ثم صودرت فى عام ١٩٨٠ بعد التورط فى تهريب المخدرات.
وتضمنت الوثائق المفرج عنها تفاصيل تورط وكالة الاستخبارات المركزية فى الإطاحة بحكومات أجنبية مثل حكومة «كاسترو» فى كوبا.
فى ذلك الوقت كانت إدارة الرئيس «جونسون» توافق على عمليات الاغتيال إلا أن المدعى العام «روبرت كينيدى» كان يعترض عليها.
كان على رأس قائمة المطلوب التخلص منهم «جمال عبدالناصر» ودبرت أكثر من محاولة لاغتياله منها وضع السم فى القهوة أو تسريب غاز تدمير الأعصاب عبر أجهزة التكييف.
لكن «روبرت كينيدى» الذى كان يقف ضد الاغتيال اغتيل.
تولى تنفيذ عملية اغتياله «سرحان سرحان» وهو أردنى الجنسية وفلسطينى الأصل وحدثت الجريمة وهو يخوض سباق الانتخابات التمهيدية الرئاسية عن الحزب الديمقراطى فى عام ١٩٦٨.
أعاد اغتيال «روبرت كينيدي» الجدل حول اغتياله شقيقه الرئيس «جون كينيدي» وفتح تحقيق جديد فى الجريمة تولاه هذه المرة المدعى العام فى نيو أولينز «جيم جاريسون».
وتكشف وثيقة أخرى خرجت من تحت بند السرية أن وكالة الاستخبارات الأمريكية مارست أنشطة سرية شريرة وضعت لها أسماء كودية.
تضمنت هذه الأنشطة السرية الشريرة الإطاحة بحكومة جمهورية «الدومينيكان» التى كان يرأسها «رافائيل تروخيو».
كانت الولايات المتحدة قد قطعت العلاقات مع الدومينيكان فى عام ١٩٦٠ وفى مايو من العام نفسه اغتيل «تروخيو» على يد مسلحين قتلوه على الطريق السريع وهو فى سيارته متجها ألى «سان كريستوبال» لمقابلة عشيقته بعد أن ترك حراسته وراءه كما تعود فى هذه اللقاءات الشخصية.
هذه مجرد عينات صغيرة من السجل الأسود لوكالة الاستخبارات المركزية التى ارتكبت كل أنواع الجرائم القذرة حتى فرضت عليها لجنة «تشرش» فى الكونجرس الكف عن الاغتيال والابتزاز والانقلابات والتنصت على الشعب الأمريكى.
ويبدو أن سوء العلاقة بين ترامب وأجهزة الدولة العميقة جعله يخشى أن يلقى مصير كينيدى وشقيقه خاصة بعد أن تعرض إلى أكثر من محاولة اغتيال كما أن قراراته التنفيذية المعادية رفعت من حجم العداء له وزادت من أعداد الذين يريدون التخلص منه وعلى رأسهم أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
قرر ترامب أن يكشف سوء هذه الأجهزة وشراستها وكأنه يعلن أنه إذا ما أصيب بسوء فإن الفاعل معروف.
حاولوا وضع السم فى قهوة عبدالناصر أو تسريب غاز الأعصاب عبر جهاز التكييف استخدام اليخت الرئاسى فى تهريب السلاح والمخدرات لعصابات قتل كاسترو المخابرات المركزية سجلت اللقاءات الجنسية بين جون وروبرت كينيدى ومارلين مونرو
لى هارفى أوزوالد
سرحان سرحان
المتهم باغتيال كينيدى لا يجيد التصويب وقتلوه قبل أن يفضحهم
ضابط مخابرات: فريق فى الوكالة قتل كينيدى قبل أن يكشف الملايين التى كسبوها من تهريب المخدرات والسلاح