علي فوزي يكتب: ليلة القدر.. حيث يلتقي الضوء بالقدر

الليل يحتضن المدينة كأمٍ تواسي أبناءها، سكونٌ يلف الأزقة، لكنه ليس سكونًا فارغًا، بل امتلاءٌ روحي، كأن العالم كله يترقب لحظة ميلاد جديدة.
في المسجد العتيق، جلس الشيخ عمران، كأنه جزء من الجدران العتيقة، يراقب المصلين الذين أذابهم الدعاء. عيناه الهادئتان تحملان يقينًا عمره سنوات، أن هذه الليلة ليست كغيرها، وأن الدعوات التي ترتفع فيها، لا تضل الطريق.
على بعد خطوات، كان سالم يجلس صامتًا، محاصرًا بأسئلة لا يجرؤ على نطقها. لم يكن يومًا قريبًا من الله، لكنه هذه الليلة، شعر بأن هناك شيئًا مختلفًا، كأن السماء أقرب، كأن الكون كله ينتظر منه همسة، إشارة، ولو بحركة بسيطة من قلبه المرهق.
وفي غرفة صغيرة، تحت ضوء مصباح خافت، جلست منى على سجادة صلاتها، تهمس بدعوات تشبه الأمنيات القديمة، تلك التي خبأتها في قلبها لسنوات. كانت تؤمن أن هذه الليلة تحمل سرًا، أن هناك لحظة واحدة، إن أصابت روحها، ستبدل حياتها كما يتبدل لون السماء عند الفجر.
أما الشيخ إبراهيم، العائد من المسجد، فقد كانت خطواته أبطأ من المعتاد، لكنه كان يشعر أنها أثقل وزنًا في ميزان القدر. لطالما رأى أن هذه الليلة تُكتب فيها الحكايات من جديد، وأن الإنسان، مهما كانت خطاياه، يستطيع أن يبدأ من الصفر، لو أنه فقط صدق في دعائه.
في مكان آخر، كانت هناك أمٌ تمسح على رأس صغيرها، تدعو له بألا يرى في حياته ما رأته عيناها، ورجل مسن يردد دعاءً سمعه من جدته في طفولته، وشابٌ يكتب رسالة لم يُرسلها بعد، لكنه يشعر أنها ستصل، ليس إلى بريد شخصي، بل إلى قدرٍ ينتظر إشارة منه.
وفي لحظة، مر نسيمٌ بارد، كأن السماء أعطت توقيعها الأخير لهذه الليلة، وكأن الكون كله يتنفس الصعداء، فقد كُتبت الأقدار، واستجيبت الدعوات، وانطلقت الأرواح نحو مستقبل جديد، ربما لا تراه العيون الآن، لكن القلوب المؤمنة تعلم يقينًا أنه هناك… ينتظر أن يتحقق.