السيطرة على القصر الجمهوري.. هل تغيّر مسار الحرب في الحرب؟

بعد معارك طاحنة استمرت أربعة أيام، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم، في خطوة اعتبرها المراقبون تحولًا استراتيجيًا في مسار الحرب الدائرة منذ أبريل 2023.
وقد جاءت هذه العملية عقب اشتباكات عنيفة استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والإنزالات البرية، ما أجبر قوات الدعم السريع على الانسحاب باتجاه السوق العربي وسط العاصمة.
تفاصيل عملية السيطرة على القصر الجمهوري
وفق مصادر عسكرية، نفذ الجيش السوداني خطة محكمة لاختراق دفاعات الدعم السريع عبر محورين رئيسيين: الأول من الشوارع الخلفية للقصر التي كانت تحت نيران القناصة، والثاني عبر نفق قديم يعود إلى الحقبة الاستعمارية. في الليلة الأخيرة للهجوم، تسلّلت وحدات القوات الخاصة عبر هذه المحاور، وسط مقاومة شرسة من قوات الدعم السريع التي زرعت متفجرات في الممرات لإبطاء التقدم. ومع اشتداد الضغط العسكري، اضطرت هذه القوات إلى الانسحاب من القصر، ليعلن الجيش رسميًا السيطرة عليه بالكامل.
وفي بيان رسمي، أكد الجيش السوداني أنه دمّر القوة المتبقية داخل القصر، واستولى على أسلحة وعتاد عسكري، واصفًا العملية بأنها "ملحمة بطولية خالدة"، مع استمرار العمليات العسكرية في مختلف الجبهات.
تفاعل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي
أثار إعلان استعادة القصر الجمهوري تفاعلًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر وسم #القصر_الجمهوري قائمة الأكثر تداولًا في السودان. وانتشرت صور ومقاطع فيديو تُظهر جنود الجيش داخل القصر وهم يحتفلون بالانتصار، وسط هتافات التكبير والأناشيد الوطنية.
في المقابل، حذر محللون عسكريون من تصعيد محتمل في المعارك، لا سيما مع انسحاب قوات الدعم السريع إلى مواقع استراتيجية أخرى داخل الخرطوم، ما ينذر بمواجهات جديدة خلال الأيام القادمة.
القصر الجمهوري.. الصندوق الأسود للحكم في السودان
يعد القصر الجمهوري رمزًا للسلطة في السودان، حيث شهد العديد من التحولات السياسية والانقلابات العسكرية. بُني في الأصل عام 1826 خلال الحكم العثماني، ثم أعاد البريطانيون تشييده بعد احتلالهم للسودان عام 1899، ليصبح مقرًا لحكامهم حتى استقلال السودان عام 1956. وعلى مر العقود، ظل القصر مسرحًا لأحداث سياسية مفصلية، من بينها انقلاب 1971 الذي شهد اعتقال الرئيس الأسبق جعفر نميري.
وفي عام 2015، افتُتح القصر الجمهوري الجديد بتمويل صيني، لكن الحرب الأخيرة حوّلته إلى أنقاض، وأصبح ساحة للمواجهات المسلحة بدلًا من كونه مركزًا لصنع القرار السياسي.
البرهان: لا تفاوض مع الدعم السريع والجيش ماضٍ في تحرير السودان
وفي أول تعليق رسمي عقب استعادة القصر، أكد رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أنه لا تفاوض مع قوات الدعم السريع، مشددًا على أن الجيش مصمم على إنهاء التمرد واستعادة السيطرة الكاملة على البلاد. كما أشار إلى أن الدعم السريع يمتلك أسلحة متطورة، متهمًا جهات خارجية بتزويده بالسلاح، متوعدًا بكشف هذه الأطراف لاحقًا.
السفير عماد عدوي: استعادة القصر الجمهوري خطوة نحو استعادة السودان
من جهته، وصف سفير السودان في القاهرة، الفريق أول ركن عماد الدين مصطفى عدوي، استعادة القصر الجمهوري بأنها "بداية تحرير السودان من التمرد"، مشيدًا بدور القوات المسلحة في استعادة المؤسسات الوطنية.
وخلال كلمته في حفل إفطار نظمه نادي المريخ السوداني بالقاهرة، توجه عدوي بالشكر لجمهورية مصر العربية على دعمها المستمر للسودانيين خلال الأزمة، وأعلن عن استعداد السفارة السودانية لإطلاق برنامج يُعبّر عن امتنان الحكومة السودانية للشعب المصري.
هل تغيّر هذه المعركة مسار الحرب؟
رغم أهمية استعادة القصر الجمهوري، يرى مراقبون أن الصراع في السودان لا يزال بعيدًا عن الحسم، إذ لم تتوقف الاشتباكات في مناطق أخرى من الخرطوم، مما يعني أن الحرب قد تستمر لفترة أطول، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي النزاع المسلح في البلاد.