بعد عقود من الصراع.. أرمينيا وأذربيجان على أعتاب سلام تاريخي

في خطوة تاريخية نحو إنهاء النزاع المستمر منذ عقود، أعلنت أذربيجان وأرمينيا، الخميس، التوصل إلى اتفاق سلام بعد مفاوضات مكثفة لتسوية الخلافات العالقة بين البلدين.
وقال وزير الخارجية الأذربيجاني، جيهون بايراموف، إن "مسار المفاوضات حول نص اتفاق السلام مع أرمينيا قد أنجز"، مشيرًا إلى أن الاتفاق أصبح جاهزًا للتوقيع. من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الأرمينية في بيان رسمي أن "جمهورية أرمينيا مستعدة لبدء مشاورات مع جمهورية أذربيجان بشأن موعد ومكان التوقيع على الاتفاق".
ورغم هذا التطور الإيجابي، برزت خلافات دبلوماسية بين الجانبين، حيث انتقدت يريفان الإعلان الأذربيجاني، معتبرة أنه "أحادي الجانب"، بينما كانت تفضل صدور بيان مشترك يعكس موقف الطرفين.
جذور النزاع.. صراع طويل حول قره باغ
يعود النزاع بين أرمينيا وأذربيجان إلى الحقبة السوفيتية، لكنه تفاقم بعد استقلال البلدين عام 1991، حيث خاض الطرفان حربين للسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ، وهو منطقة أذربيجانية ذات أغلبية أرمينية.
في الحرب الأولى (1988-1994)، تمكنت القوات الأرمينية من السيطرة على الإقليم، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق للأذربيجانيين.
في الحرب الثانية (2020)، استعادت أذربيجان أجزاء واسعة من الإقليم في معارك استمرت 44 يومًا، وانتهت باتفاق بوساطة روسية.
في سبتمبر 2023، شنت أذربيجان هجومًا عسكريًا خاطفًا استعاد خلاله الإقليم بالكامل، مما أجبر سكانه الأرمن على النزوح إلى أرمينيا.
جهود الوساطة الدولية
شهدت السنوات الأخيرة محاولات متكررة من قوى دولية، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط بين البلدين وإنهاء النزاع، إلا أن المفاوضات كانت تتعثر بسبب قضايا شائكة، مثل ترسيم الحدود، وحقوق السكان الأرمن في قره باغ، وآليات ضمان الأمن والاستقرار.
وفي يناير 2025، أعلن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، عن تحقيق تقدم ملحوظ في المفاوضات، لكنه أشار إلى وجود بندين عالقين في الاتفاق. غير أن وزير الخارجية الأذربيجاني أكد لاحقًا أن "أرمينيا قبلت مقترحات أذربيجان بشأن البندين العالقين".
أرمينيا تدعو إلى مشاورات مباشرة لتوقيع الاتفاق
في سياق متصل، دعا مكتب رئيس وزراء أرمينيا أذربيجان إلى بدء مشاورات مباشرة حول موعد ومكان التوقيع على الاتفاق، مؤكدًا التزام يريفان بأجندة السلام. كما نفى المكتب في بيان رسمي مزاعم أذربيجان بشأن خروقات لوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن أرمينيا سبق أن اقترحت في 2024 آلية مشتركة للتحقيق في هذه الادعاءات، لكنها لم تتلقَ ردًا إيجابيًا من باكو.
ملفات ما بعد السلام.. ماذا ينتظر المنطقة؟
مع اقتراب توقيع الاتفاق، تبرز عدة قضايا تحتاج إلى تسويات نهائية بين الجانبين، أبرزها:
ترسيم الحدود: لا تزال هناك مناطق متنازع عليها تحتاج إلى تحديد نهائي للحدود بين البلدين.
التعاون الاقتصادي: يشمل ذلك فتح ممرات تجارية بين البلدين، لا سيما عبر خطوط السكك الحديدية.
الضمانات الأمنية: تحتاج أرمينيا إلى تطمينات بشأن أمنها، خاصة مع التحالف الوثيق بين أذربيجان وتركيا.
التعديلات الدستورية: تطالب أذربيجان أرمينيا بتعديل دستورها لحذف أي إشارات إلى استقلال قره باغ.
نهاية حرب أم بداية سلام دائم؟
يبدو أن الاتفاق المرتقب سيمثل نقطة تحول في تاريخ القوقاز، لكنه سيواجه اختبار التنفيذ الفعلي على الأرض. وبينما يترقب العالم لحظة التوقيع، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا الاتفاق بداية سلام دائم، أم مجرد هدنة مؤقتة؟