جحيم اليمن.. الاختبار الأول لترامب والهيمنة الأمريكية

لم تمضِ سوى أسابيع قليلة على تولي دونالد ترامب مقاليد الحكم، حتى بدأ تنفيذ تهديداته الصاخبة تجاه الشرق الأوسط.
وكعادتها، لم تتأخر واشنطن في استعراض قوتها عبر غارات صاروخية مكثفة استهدفت معاقل جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، في محاولة لتوجيه ضربة قاصمة لقوتهم العسكرية، لا سيما منظومتهم الصاروخية التي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في المنطقة.
لكن هذا العدوان الأمريكي لا يمكن قراءته في سياق العمليات العسكرية التقليدية فقط، بل هو في جوهره الاختبار الأول لترامب، وفرصة لمعرفة مدى قدرته على تحويل تهديداته العنيفة إلى واقع ملموس، خصوصا أنه جاء أعقاب أيام قليلة، من إعلان الحوثي استئناف عملياته العسكرية باستهداف سفن الاحتلال في البحر الأحمر، نصرة للأشقاء الفلسطينيين، ردا على منع إسرائيل إدخال المساعدات إلى القطاع، في خرق للهدنة المعلنة.
فمنذ حملته الانتخابية، لم يكف ترامب عن التلويح بإشعال الجحيم في الشرق الأوسط، إذا لم تُنفذ مطالبه، وها هو الآن يضع هذه الرؤية موضع التنفيذ، معتقدًا أن بإمكانه فرض معادلة جديدة تكرّس الهيمنة الأمريكية من بوابة اليمن.
غير أن المعضلة الكبرى التي يواجهها ترامب تتمثل في أن هذه الحرب ليست نزهة سهلة، فأنصار الله الحوثيون، الذين خاضوا سنوات من القتال ضد التحالف السعودي الإماراتي المدعوم أمريكيًا، لن يكونوا لقمة سائغة في يد واشنطن.
والكرة الآن في ملعبهم، إذا استطاعوا الصمود أمام العدوان الأمريكي، بل والرد عليه بعمليات أكثر جرأة، كاستهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر، أو تنفيذ تهديداتهم بقصف العمق الإسرائيلي نصرةً للقضية الفلسطينية، فإن ترامب سيجد نفسه أمام كارثة استراتيجية.
فالولايات المتحدة، رغم جبروتها العسكري، تدرك أن أي هزيمة أو تراجع أمام خصم أقل تسليحًا لكنه عنيد، ستكون بمثابة ضربة قاصمة لهيبتها.
وإذا فشل ترامب في تحقيق أهدافه، واضطر إلى وقف العدوان نتيجة صمود الحوثيين، فسيكون ذلك إيذانًا بنهاية حقبة التهديدات الجوفاء التي ما دام أطلقها، وانكسارًا جديدًا للهيمنة الأمريكية في المنطقة، لا سيما مع صعود قوى كبرى مثل الصين وروسيا، اللتين لا تخفيان دعمهما لأي قوى مناوئة للنفوذ الأمريكي.
في المقابل، إذا نجح ترامب في تدمير القوة الصاروخية للحوثيين وشلّ قدرتهم على الرد، فسيكون ذلك تعزيزًا لمكانته كرئيس قادر على فرض إرادته، وتأكيدًا لمصداقية تهديداته التي ما دام كررها.
لكن حتى لو تحقق هذا السيناريو، فستبقى تبعاته خطيرة، إذ ستؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي، وربما تدفع إيران -الراعي الأساسي لأنصار الله- إلى تصعيد أكبر في ساحات أخرى، ما يعني أن ترامب سيكون قد أشعل حربًا مفتوحة يصعب التنبؤ بعواقبها.
إن مصير هذا العدوان سيحدد شكل المواجهة المقبلة في المنطقة، لكنه أيضًا سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الولايات المتحدة على فرض سياساتها بالقوة، أو الاعتراف بأن زمن الإملاءات الأمريكية المطلقة قد بدأ التلاشي.
فإذا اضطر ترامب إلى التراجع، فسيكون ذلك إعلانًا ضمنيًا بأن العهد الذي كانت تهديدات البيت الأبيض وحدها كافية لإخضاع العالم، قد انتهى.