بين مجلس سوريا الديقراطية والمعارضة الدرزية
بعد الإعلان الدستوري السوري.. كيف يواجه الشرع الأوضاع داخليًا؟

أثار الإعلان الدستوري الجديد في سوريا، الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث تباينت ردود الفعل بين دعم هذه الخطوة باعتبارها بداية لمرحلة جديدة، وانتقادات حادة اعتبرت أنها لا تختلف عن سياسات النظام السابق. يأتي هذا الإعلان وسط تحديات معقدة تواجه الشرع، بدءًا من المعارضة السياسية الداخلية، مرورًا بالعلاقات مع القوى الفاعلة، وصولًا إلى إدارة المرحلة الانتقالية التي تمتد لخمس سنوات وفقًا للدستور الجديد.
الانتقادات الموجهة للإعلان الدستوري
لم تمر مسودة الإعلان الدستوري دون اعتراضات، إذ وصف "مجلس سوريا الديمقراطية" الإعلان بأنه "غير شرعي" ولا يختلف عن النهج الذي اتبعه الرئيس السابق بشار الأسد. كما انتقدت الإدارة الذاتية الكردية البنود التي اعتبرتها "تكرارًا لحقبة حزب البعث"، مشيرة إلى استبعاد المكونات السورية المختلفة، وعلى رأسها الأكراد والعرب غير الموالين للحكومة. ومن أبرز النقاط التي أثارت الجدل تضمين الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، وهو ما أثار تخوف بعض الأطراف من فرض قيود دينية على الحياة السياسية والاجتماعية.
تحديات المرحلة الانتقالية
أمام الشرع العديد من التحديات الداخلية، أبرزها تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، لا سيما في ظل وجود أطراف معارضة ترفض شرعية الإعلان الدستوري. كما أن مسألة تنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الإصلاحات، خاصة بعد النص على آلية عزل الرئيس وتقليص صلاحياته من قبل مجلس الشعب.
التفاعل مع المعارضة الدرزية
في خطوة تعكس عمق الانقسامات الداخلية، أعلن زعيم طائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، رفضه التام للسلطات الجديدة في دمشق، مؤكدًا أن "لا وفاق ولا توافق" مع النظام الحالي. كما شكك في جدوى الاتفاقات التي تجري بين الحكومة السورية وزعماء الطائفة، معتبرًا أن دمشق تحاول فرض سيطرتها دون تقديم ضمانات حقيقية لمطالب السكان في السويداء.
الموقف من مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية
يواجه الشرع تحديًا كبيرًا في التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ومجلسها السياسي، الذي رفض الإعلان الدستوري واعتبره امتدادًا لسياسات الأسد. هذه الأزمة تعكس الصراع المستمر حول هوية الدولة السورية الجديدة، لا سيما مع وجود مناطق واسعة خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية. كما أن مسألة اللامركزية الإدارية والاعتراف بحقوق المكونات المختلفة تظل إحدى العقبات الرئيسية التي قد تؤثر على شرعية النظام الجديد في نظر المعارضة.
إصلاح القضاء وضبط حالة الطوارئ
أحد الجوانب التي سلط عليها الإعلان الدستوري الضوء هو إصلاح النظام القضائي، من خلال حل المحكمة الدستورية القائمة، وضمان استقلال القضاء. كما تم تقييد إعلان حالة الطوارئ، بحيث لا يمكن فرضها أو تمديدها إلا بموافقة مجلس الشعب ومجلس الأمن القومي، وهي خطوة قد تساهم في تقليل السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحًا حول مدى التزام السلطة التنفيذية بتطبيق هذه النصوص على أرض الواقع.
الرؤية الاقتصادية والاجتماعية
على الرغم من أن الإعلان ركّز بشكل أساسي على الجوانب السياسية، إلا أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية لا تقل أهمية. يعاني الاقتصاد السوري من أزمات حادة نتيجة الحرب والعقوبات الدولية، مما يفرض على الشرع اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق التنمية. من جانب آخر، فإن مسألة الحريات وحقوق المرأة والتعددية السياسية تظل قضايا حساسة تحتاج إلى معالجات أعمق، خاصة في ظل المخاوف من هيمنة التيارات الدينية أو القومية على المشهد العام.
يبدو أن أحمد الشرع يواجه اختبارًا معقدًا في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط انقسامات داخلية وتحديات سياسية وأمنية واقتصادية. وبينما يحاول تقديم الإعلان الدستوري كخطوة نحو إعادة بناء سوريا على أسس جديدة، فإن ردود الفعل المعارضة تشير إلى أن الطريق لن يكون سهلًا. يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن الشرع من تحقيق التوازن بين الإصلاح والاستقرار، أم أن البلاد ستظل عالقة في دوامة الأزمات المتواصلة؟