الشهيد محمد هارون.. أسطورة الصحراء الذي طارد الإرهاب حتى الرمق الأخير
"أما تطلع مأمورية.. سيب قلبك في الكمين".. كانت هذه وصية البطل المقدم محمد هارون لرفاقه، وصية لم تكن مجرد كلمات، بل كانت عقيدة عاش بها حتى لحظة استشهاده.
لم يكن مجرد ضابط في الجيش المصري، بل كان كابوسًا للإرهابيين، حتى أطلق عليه أهالي سيناء ألقابًا تعكس بطولاته: "صائد التكفيريين"، "أسد الصحراء".
في قلب معركة دارت منذ سنوات، لكن صداها لا يزال يتردد حتى اليوم، كان الشهيد محمد هارون في مقدمة الصفوف، يقود جنوده في مواجهات دامية ضد الإرهاب الأسود، الذي حاول التغلغل في أرض الفيروز.
لكنه لم يكن مجرد مقاتل يحمل السلاح، بل كان إنسانًا حتى في أشد لحظات القتال، فقد طلب من جنوده إعطاء الماء لإرهابي يحتضر بعد إصابته خلال اشتباك عنيف.
حكاية بطل لا يموت
لم تكن بطولات الشهيد محمد هارون وليدة اللحظة، بل كانت امتدادًا لمهمة وطنية بدأها الجيش المصري منذ عزل جماعة الإخوان، عندما تحولت سيناء إلى ساحة مواجهة شرسة بين قوات إنفاذ القانون والعناصر الإرهابية المسلحة.
وخلال عمليات "حق الشهيد 1 و2"، و"تطهير جبل الحلال"، و"العملية الشاملة سيناء 2018"، كان هارون في الصفوف الأولى، يطارد فلول الإرهاب بلا هوادة، حتى صار اسمه مرعبًا لكل من تسول له نفسه تهديد أمن البلاد.
زوجته، التي لم تفقد فقط شريك حياتها، بل "أخًا وصديقًا"، تروي كيف كان عاشقًا لوطنه ومتفانيًا في عمله، لدرجة أنه بعد ثلاثة أيام فقط من زواجه، ترك منزله الجديد وانطلق إلى ميدان القتال.
لم يكن يعرف الراحة، إجازاته كانت نادرة، بل إن العناصر التكفيرية كانت تعتبرها فرصة لالتقاط أنفاسها، لأن وجوده في الميدان كان يعني التضييق عليهم وحصارهم بلا رحمة.
"مش هنسيبهم يهربوا!"
يروي أحد زملائه موقفًا يعكس شجاعة محمد هارون، عندما تعرضت الكمائن في الشيخ زويد لهجوم شرس، وبدأت الذخيرة في النفاد. عندها أصر هارون على الخروج بنفسه لجلب الذخيرة، فانطلق مع أحد الضباط في سيارة مدنية حتى لا يلفتوا الانتباه.
لكن العناصر الإرهابية رصدتهم، وبدأ الاشتباك وسط الصحراء، ورغم أنه لم يكن برفقته سوى ضابط واحد، إلا أنه لم يتراجع، وأطلق النار حتى أجبر الإرهابيين على الفرار. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل صاح في زميله:
"هتسيبهم يهربوا؟!".
ثم انطلق خلفهم في مطاردة شرسة وسط المدقات الصحراوية، حتى تمكن من القضاء على جميع الإرهابيين الذين حاولوا الفرار.
وفي إحدى العمليات ضد خلية تكفيرية خطيرة، أصيب الشهيد برصاصة في قدمه، لكنه رفض التراجع، وواصل القتال حتى تمكن من تصفية الإرهابي الذي أطلق عليه النار.
وبينما كان الأخير يحتضر، قال له هارون: "أنت اللي عملت في نفسك كده"، ثم أمر جنوده بإحضار الماء له ليشرب قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
تعجب الجنود من قراره، قائلين: "يا فندم، ده ضربك في رجلك وكان هيقتلك!".
لكن رد هارون كان حاسمًا: "مش هنعمل زيهم.. دينا مبيقولش كده.. ولا قواتنا المسلحة علمتنا كده".
في مشهد يجسد أخلاق الجيش المصري، سقى الجنود الإرهابي الماء، ثم شاهدوه يفارق الحياة بعدها بلحظات.
الشهيد الذي أرعب التكفيريين
كان الإرهابيون ينتظرون نزول هارون إجازة حتى يتنفسوا، لأنه كان يطاردهم بلا هوادة، يضيق عليهم الخناق في مدينة الشيخ زويد، وكان وجوده في الميدان يعني أن الإرهابيين في خطر دائم. لدرجة أن بعضهم هرب إلى الجبال لتجنب مواجهته.
"الموت علينا حق.. لكن مش هنسيب بلدنا تقع"
لم تكن حياة محمد هارون مجرد معارك وسلاح، بل كان إنسانًا نبيلًا، وصديقًا للجميع. زملاؤه يتذكرون أنه لم يكن يعرف الخوف، وكان دائمًا يردد: "الموت علينا حق.. لكن مش هنسيب بلدنا تقع".
بطلٌ في ذاكرة الوطن
رحل المقدم محمد هارون، لكنه لم يمت، فقد تحولت بطولاته إلى أيقونة في ذاكرة الوطن، وصار اسمه حكاية تُروى في كل بيت مصري، تذكرنا بأن هناك رجالًا ضحوا بكل شيء حتى نحيا نحن في أمان.
"أما تطلع مأمورية.. سيب قلبك في الكمين".. وصية تركها البطل، لتظل محفورة في قلوب كل من عرفوه، ولتظل مصر محروسة دائمًا بدماء شهدائها العظماء.