أحمد ياسر يكتب: القمة العربية وصناعة القرار الفلسطيني

مقالات الرأي

أحمد ياسر
أحمد ياسر

انعقدت القمة العربية التي طال انتظارها في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن غزة ستصبح "ريفييرا الشرق الأوسط" - "مملوكة" للولايات المتحدة.

جاءت القمة في أعقاب رفض الخطة الأمريكية من قبل العديد من الدول العربية، وعلي رأس القائمة (مصر - الأردن) اللتان حددهما ترامب كوجهات دائمة لشعب غزة.

في الفترة التي سبقت القمة أعلنت مصر عن خطة في منتصف فبراير لإعادة بناء غزة دون تهجير سكانها كبديل لخطة ترامب، تم تبني هذه الخطة، كما كان متوقعا، من قبل القمة العربية الأسبوع الماضي.

تستعرض الخطة إعادة إعمار غزة في أربع سنوات،  وتتضمن رؤية للإدارة السياسية لغزة بعد الحرب، وإعادة التأكيد على الارتباط بين قطاع غزة والضفة الغربية ووضعها في إطار حل الدولتين.

وتتصور الخطة إنشاء لجنة مستقلة لإدارة غزة خلال مرحلة إعادة الإعمار كفترة انتقالية تهدف إلى إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية.

لم تعد الخطة مصرية فقط، بل أصبحت الآن الاقتراح العربي الإسلامي الموحد لمستقبل غزة - والمقصود منها أن تكون بمثابة مواجهة مباشرة لرؤية ترامب.

اعترضت إسرائيل والبيت البيضاوي على أن الخطة العربية لم تذكر أو تدين هجمات 7 أكتوبر واستمرت في الاعتماد على السلطة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مرحلة إعادة الإعمار.

ولكن لا تزال الخلافات قائمة بينهما بشأن مصير  حماس واستمرار وجود كتائب القسام كجماعة مسلحة في غزة تحت إدارة السلطة الفلسطينية.

الآن أصبح الأمر متروكًا للدول العربية لإقناع إدارة ترامب بخطتها وأن رؤيتها أكثر واقعية من الطرد الشامل لسكان غزة، وهذا يمثل تحديًا مثيرًا للاهتمام لطموحات ترامب الاقتصادية في الشرق الأوسط.

وعلى المحك احتمالات التطبيع العربي مع إسرائيل والاستثمارات الضخمة المخطط لها في المنطقة والتي تشمل الموارد الطبيعية - بما في ذلك احتياطيات الغاز الطبيعي في غزة - والتكامل الاقتصادي لإسرائيل مع دول الخليج لمواجهة التوسع الاقتصادي للصين.

(خطوة إلى الوراء بالنسبة للتمثيل السياسي الفلسطيني)

بعد أربعة وثلاثين عامًا من جلوس الإسرائيليين والفلسطينيين لأول مرة على طاولة المفاوضات في مؤتمر مدريد عام 1991، وبعد أن بدأ الجانبان مفاوضات ثنائية مباشرة في واشنطن، يبدو أن مستقبل القضية الفلسطينية يعتمد الآن على قدرة الدول العربية على التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة.

ورغم أن هذا الوضع يمثل سابقة تاريخية حيث تبنت الدول العربية موقفًا موحدًا بشأن فلسطين وتحدثت إلى الإدارة الأمريكية بصوت واحد، كانت آخر مرة اتخذ فيها العرب موقفًا موحدًا بشأن فلسطين عندما اعترفت جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني في قمة الرباط عام 1974.

وكانت هذه خطوة مهمة في وضع القضية الفلسطينية في أيدي الفلسطينيين وفصل الدول العربية عن المسؤولية الرئيسية عن حل القضية الفلسطينية، كان القرار العربي عام 1974 بحد ذاته معارضًا لقراره المعلن سابقًا في قمة الخرطوم عام 1968 الذي رفض المفاوضات مع إسرائيل نظرًا لاحتلالها للأراضي العربية في مرتفعات الجولان السورية، وسيناء والضفة الغربية وغزة.

جاء الاعتراف العربي بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للفلسطينيين عام 1974 بعد حرب أكتوبر 1973، والتي اعتبرتها مصر وسوريا انتقامًا من إسرائيل بعد أن بدأ وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "هنري كيسنجر" في وضع الأساس لعملية سياسية بين إسرائيل والدول العربية.

بعبارة أخرى، كان اعتراف عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية وسيلة لتحرير الدول العربية من المسؤولية عن فلسطين.

في العام نفسه، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية برنامجًا سياسيًا جديدًا، أطلق عليه "برنامج النقاط العشر"، والذي قبل المفاوضات كوسيلة لإقامة دولة فلسطينية.  

وعندما انتقدت المعارضة الأكثر تطرفًا لقيادة الراحل ياسر عرفات داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تمثلت في عدة فصائل يسارية، بسبب التنازل عن التحرير الكامل، دافع  "عرفات" هو ومعسكره عن موقفهم قائلين إنهم يمارسون "استقلال صنع القرار الفلسطيني".
منذ عام 1967، حاولت الدول العربية بكل الطرق التخلص من المسؤولية المباشرة عن حل القضية الفلسطينية، في حين حاول الفلسطينيون أخذ قضيتهم بأيديهم، وبمعنى آخر، يعد هذا أحد الإنجازات الأكثر وضوحًا للنضال الفلسطيني على مدى العقود العديدة الماضية.

ولكن بعد نصف قرن من الزمان، أصبح الطريق إلى المفاوضات مسدودًا، وانتهى حل الدولتين، وفقدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها الكثير من أهميتها، وتستمر قيادتها الحالية في الاعتماد على تاريخها الماضي من النضال السياسي للحفاظ على الشرعية، دون أي قوة أو نفوذ حقيقي على الأرض، وتخلت بشكل أوبآخر عن أي شكل من أشكال المقاومة أو العداء للاحتلال.

وفي الوقت نفسه، ذهبت قوة فلسطينية أخرى  (حماس) - في الاتجاه المعاكس، حيث أخذت استراتيجية النضال المسلح إلى أقصى حدودها، وهي الآن مُجبرة على التفاوض من أجل مستقبلها السياسي.

إن الأمر الأكثر مفارقة هو أن مستقبل القضية الفلسطينية عاد بعد خمسين عامًا إلى أيدي الدول العربية والولايات المحدة ــ وهو ما يبتعد كثيرًا عن "استقلال صنع القرار الفلسطيني"، الذي روّج له الراحل " ياسر عرفات".