"شيخ الأزهر: الفلسطينيون صمدوا بشموخ وتمسكوا بأرضهم، ثم عادوا كطوفان جارف"

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن تضرع المسلمين إلى الله بأسمائه الحسنى لنصرة إخوانهم المظلومين في غزة كان ذا أثرٍ قويٍّ في مدهم بالعون للتصدي لأعدائهم، موضحًا أنه، ورغم تعرض أهالي غزة طوال هذه الفترة للقتل ليلَ نهارَ، قتلٍ طال الأطفال والنساء والعجائز والمرضى، وهدمٍ للبيوت والمستشفيات والمساجد والكنائس على من فيها، وتدميرٍ منظمٍ ووحشيٍّ لم نرَ له مثيلًا من قبل في تاريخ الحروب، في هجماتٍ كانت كفيلةً بأن تبيد شعوبًا خلال شهرٍ واحدٍ وتنهيها عن آخرها، إلا أنهم، وفي معجزةٍ إلهيةٍ بفضل دعاء الكثيرين من إخوانهم لهم، ظلوا صامدين أمام أحدث ما أنتجته مصانع الغرب من أدوات قتلٍ وإبادة.
وبيَّن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم برابع حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام ٢٠٢٥، أنه، ورغم كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني طوال هذه الفترة، وجدناه صامدًا شامخًا متشبثًا بأرضه، ويعود كأنه طوفان وكأن شيئًا لم يكن، فبكل تأكيد هذا الشعب هو الذي انتصر، فقد كان في مخيلة الصهاينة أن أهالينا في غزة لن يستطيعوا تحمل كل ذلك، وأنهم بعد شهرٍ أو شهرين ستخضع لهم غزة محروقةً ومنتهية، لكن هذا لم يحدث، رغم أن هذا الشعب لا سلاحَ معه ولا نصيرَ بجواره سوى دعوات إخوانهم لهم بالثبات والنصر.
وأكد شيخ الأزهر أن صمود الشعب الفلسطيني لم يكن صمودًا عاديًا، بل كان صمودًا مليئًا بالشموخ والتحدي، ولا تفسير لذلك إلا أن الله قد استجاب لدعوات الضعفاء ليلَ نهارَ بأن يقف الله معهم، وهذا هو أثر الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى في مثل هذه المواقف بالدعاء والتضرع، وفي تاريخنا الكثير من المواقف المشابهة، ومن ذلك قوله تعالى: "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا"، فهذا ليس أمرًا خياليًا، ولكنه مصدَّقٌ بالقرآن الكريم، لافتًا إلى أن قتال المسلمين هو دفاعٌ عن عقيدةٍ وحقٍّ، ودائمًا ما ينصف التاريخ أهل الحق وينصرهم على أهل الباطل، وقد رأينا بأعيننا ما تعرض له أهل غزة وهم أهل الحق من ظلمٍ وقهرٍ، بل مرت علينا لحظاتٌ لم نكن نستطيع فيها مشاهدةَ ما تراه أعينُنا على الشاشات من قتلٍ وتقطيعٍ وذعرٍ ومشاهدَ مروعة، ولم نكن نتخيل حدوثها في القرن الواحد والعشرين، بعد أن وعدونا بأن هذا القرن هو قرن الديمقراطية والسلام والحرية وحقوق الإنسان، فإذا بالعدوان على غزة يؤكد أنه قرن العبودية الأولى.
وأوضح الإمام الطيب أنه ليس شرطًا أن يكون العبد على وعيٍ بمعاني أسماء الله الحسنى للدعاء بها، بل يكفي أن يرددها فقط في دعائه، مصداقًا لقوله تعالى: "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا"، فلم يقل: اعلموها أو افهموها ثم ادعوا بها، فيكفي الدعاء بها دون فهم معانيها، فذلك يتطلب دراسةً متخصصةً، مبينًا أن أسماء الله الحسنى لها تأثيرٌ متى ذُكرت على نطقها الصحيح، سواء فهمها من يقولها أم لم يفهمها، فكل اسمٍ منها له تأثيرٌ معينٌ، ولها أسرارٌ بمجرد نطقها من قلبٍ حيٍّ متدبرٍ يذكر الله ويخافه، ومن ذلك ما ورد في الأثر أن الكون كله هو أثرُ هذه الأسماء.
واختتم بقوله: إنه ليس شرطًا في الدعاء أن يكون باسمٍ من أسماء الله الحسنى، بل يجوز الدعاء بغير الأسماء الحسنى، مصداقًا لقوله تعالى: "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"، فلم يربط الدعاء هنا بأسماء الله الحسنى، كما أن الكثير من دعوات النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مصحوبةً بأسماء الله الحسنى، ففضل الله وعطاؤه واسعٌ لمن يتعرض له، سواء كان بالدعاء بأسماء الله الحسنى أو بغيرها، شريطة أن يعتقد الداعي أن الله أصبح هو الظهر الوحيد له.