"سيتي ديفيلوبمنتس ليمتد" قصة تجسِّد الأبوة وابنوّة في خضم مشهد المصالح
صراع الأجيال داخل أكبر الشركات العقارية السنغفورية.. أزمة مالية أم عائلية؟

في مشهد يعكس التداخل المعقد بين الاقتصاد العائلي وحوكمة الشركات، شهدت سنغافورة أزمة غير مسبوقة داخل واحدة من أكبر شركات العقارات في البلاد، "سيتي ديفيلوبمنتس ليمتد" (CDL)، بعد خلاف حاد بين الأب المؤسس، كويك لينج بينج، وابنه شيرمان كويك، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة.
هذه الأزمة لم تكن مجرد صراع عائلي، بل تحولت إلى زلزال مالي أثر بشكل مباشر على القيمة السوقية للشركة وسعر أسهمها، مما أدى إلى تعليق التداول وخفض تصنيفها من قبل مؤسسات مالية عالمية.
بداية الأزمة.. حرب داخل مجلس الإدارة
بدأت الأزمة في 26 فبراير 2025 عندما أعلنت CDL إلغاء مؤتمرها المالي وطلبت وقف التداول في بورصة سنغافورة. ولم يكن السبب في ذلك أزمة مالية تقليدية، بل كان خلافًا داخليًا بين الأب المؤسس وابنه حول مستقبل الشركة، حيث اتهم كويك لينج بينج ابنه بقيادة انقلاب على مستوى مجلس الإدارة.
وفقًا للأب، فإن شيرمان قام بتعيين أعضاء جدد في مجلس الإدارة لتعزيز سلطته، وهو ما دفع الأب إلى اللجوء إلى القضاء للحصول على أمر بوقف التغييرات الإدارية. في المقابل، نفى شيرمان هذه الاتهامات، مشيرًا إلى أن الأمر مجرد محاولة لتصحيح الأوضاع الإدارية داخل الشركة.
أزمة الحوكمة.. أين تكمن المشكلة؟
تعود جذور هذا الصراع إلى التداخل بين المصالح الشخصية والإدارية داخل الشركات العائلية. حيث يرى كويك لينج بينج أن ابنه لم يكن كفؤًا لإدارة الشركة، خاصة بعد الخسارة الكبيرة التي تعرضت لها الشركة في عام 2020، والتي بلغت 1.4 مليار دولار، بالإضافة إلى تراجع أداء سهم CDL مقارنة بالمنافسين منذ تولي شيرمان القيادة في 2018.
لكن الأزمة كشفت أيضًا عن خلاف أعمق يتعلق بحوكمة الشركات، حيث اتهم شيرمان والده بالسماح لمستشارة مجلس الإدارة، كاثرين وو، بالتدخل في قرارات الشركة، وهو ما تسبب في اضطرابات داخل المجلس التنفيذي.
من أزمة عائلية إلى أزمة مالية
لم يكن هذا الصراع مجرد خلاف داخلي، بل امتد تأثيره إلى الوضع المالي للشركة وسوق العقارات في سنغافورة. فبعد تعليق تداول أسهم الشركة التي تبلغ قيمتها السوقية 3.4 مليار دولار، قامت مؤسسات مالية مثل JPMorgan Chase بتخفيض تصنيف CDL، واصفة الأمر بـ "التصرف المتهور".
هذه الأزمة تعكس خطر عدم الاستقرار
داخل الشركات العائلية الكبرى، حيث يمكن أن تؤدي الخلافات الداخلية إلى زعزعة ثقة المستثمرين، وبالتالي تراجع قيمة الأصول والتأثير على السوق ككل.
الاقتصاد العائلي وحوكمة الشركات.. من ينتصر؟
تعتبر الشركات العائلية جزءًا أساسيًا من الاقتصاد العالمي، ولكنها تواجه تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بـحوكمة الشركات واستمرارية القيادة.
في حالة CDL، يبدو أن الصراع بين الأب والابن ليس مجرد خلاف شخصي، بل يمثل صراعًا بين جيلين حول الطريقة التي يجب أن تدار بها الشركة:
الأب المؤسس، كويك لينج بينج، يؤمن بالإدارة التقليدية والمركزية للسلطة.
الابن، شيرمان كويك، يسعى إلى تحديث الإدارة وإعادة هيكلة المجلس التنفيذي.
هذه التحديات تواجه العديد من الشركات العائلية الكبرى، حيث ينتهي الأمر بصراعات على السلطة قد تؤدي إلى انهيار الشركات نفسها.
هل هناك حل وسط؟
مع تصاعد الأزمة ودخول القضاء على الخط، يبقى السؤال: هل يمكن إيجاد حل يرضي الطرفين ويحافظ على استقرار CDL؟
قد يكون الحل في وضع آلية واضحة للحوكمة داخل الشركة، بحيث يتم تحديد سلطات الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة بشكل دقيق، مع الحد من التدخلات العائلية التي قد تؤدي إلى تضارب المصالح.
تداعيات الأزمة على مستقبل الشركة
عدم استقرار القيادة داخل الشركة قد يؤدي إلى فقدان الثقة من قبل المستثمرين.
تراجع قيمة السهم قد ينعكس على أداء الشركة في السوق العقاري في سنغافورة.
المعركة القانونية قد تستمر لفترة طويلة، مما قد يؤثر على خطط التوسع والاستثمارات المستقبلية.
والآن.. ما الدرس المستفاد؟
تكشف أزمة CDL عن أهمية فصل الإدارة عن المصالح العائلية في الشركات الكبرى، وضرورة الالتزام بمبادئ الحوكمة الرشيدة لضمان استقرار الشركات، خاصة عندما تصل إلى مستويات عالمية كما هو الحال مع CDL.
الاقتصاد يتأثر بالمصالح الشخصية
ما يحدث داخل CDL ليس مجرد قصة عائلية، بل هو درس في تأثير المصالح الشخصية على الاقتصاد والأسواق المالية. وعندما تتحول خلافات الأسرة إلى صراعات مالية وقانونية، فإنها قد تؤدي إلى انهيار شركات بأكملها، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي والدولي.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيكون القضاء قادرًا على حل هذا النزاع؟ أم أن الأزمة ستتفاقم لتؤثر على مستقبل CDL بالكامل؟