ذكرى ميلاد الراحل أحمد زويل.. رائد علم الفيمتو وثورة في الكيمياء الحديثة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر

تحل اليوم الأربعاء الذكرى الـ79 لميلاد العالم المصري الكبير أحمد زويل، الذي أحدث ثورة في علم الكيمياء بابتكاره "كيمياء الفيمتو"، وهو الزمن الذي يقاس بالفمتوثانية (جزء من مليون مليار من الثانية). كان زويل أول عالم مصري وعربي يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، تقديرًا لاكتشافه هذا المجال الذي ساهم في فهم التفاعلات الكيميائية على مستوى غير مسبوق. تقديرًا لإنجازاته، أطلقت مصر اسمه على "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتكون منارة علمية تحمل إرثه وتواصل مسيرته.

نشأة أحمد زويل وبداية شغفه بالعلم
وُلد أحمد حسن زويل في 26 فبراير 1946 بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، ونشأ في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، حيث تلقى تعليمه الأساسي. منذ صغره، أظهر شغفًا كبيرًا بالعلم، وكان مولعًا بالبحث والاكتشاف. في سن العاشرة، كتب خطابًا إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يعبر فيه عن حبه الشديد له، وجاءه رد من الرئيس يشجعه على المثابرة في طلب العلم، وهي كلمات كان لها أثر كبير في مسيرته لاحقًا.

التحق زويل بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، حيث حصل على بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف في الكيمياء عام 1967. استمر في مشواره الأكاديمي، ليحصل على درجة الماجستير عن بحثه في علم الضوء، مما مهد الطريق أمامه لمواصلة دراسته بالخارج.

رحلته العلمية في الولايات المتحدة
حصل زويل على منحة دراسية سافر بها إلى الولايات المتحدة، حيث نال درجة الدكتوراه في علوم الليزر من جامعة بنسلفانيا. بعدها، عمل باحثًا في جامعة كاليفورنيا - بركلي بين عامي 1974 و1976، ثم انتقل إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، أحد أعرق الجامعات في الولايات المتحدة، حيث بدأ العمل هناك عام 1976.

بفضل اجتهاده وتفوقه العلمي، تدرّج في المناصب الأكاديمية داخل كالتك، حتى حصل على أعلى منصب علمي جامعي في الولايات المتحدة، ليصبح أستاذًا رئيسيًّا للكيمياء، خلفًا للعالم الشهير لينوس باولنغ الحاصل على جائزتي نوبل في الكيمياء والسلام. وفي عام 1982، حصل زويل على الجنسية الأمريكية، إلا أن قلبه ظل متعلقًا بوطنه مصر، حيث كان يحرص دائمًا على نقل خبراته العلمية إليها.

ثورة الفيمتو.. الاكتشاف الذي غير العالم

حقق زويل إنجازًا علميًا غير مسبوق باختراعه ميكروسكوب الفيمتو، الذي يستخدم أشعة الليزر لتصوير التفاعلات الكيميائية في زمن لا يتجاوز الفمتوثانية. كان لهذا الاكتشاف دور كبير في فهم سلوك الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية، مما ساهم في تطوير مجالات متعددة مثل الطب، والصناعة، وعلم المواد.

نتيجة لهذا الابتكار، حصل زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، ليكون بذلك أول عالم مصري وعربي ينال هذا الشرف في مجال الكيمياء.

تكريم عالمي ومسيرة حافلة بالجوائز
 

حصل زويل خلال مسيرته العلمية على أكثر من 31 جائزة دولية، من بينها:

جائزة ماكس بلانك في ألمانيا.
جائزة وولش الأمريكية.
جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم.
وسام بنجامين فرانكلين عام 1998.
جائزة كارس من جامعة زيورخ، أكبر جائزة علمية سويسرية.
قلادة بريستلي، أرفع وسام أمريكي في الكيمياء عام 2011.
وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى وقلادة النيل العظمى، أرفع الأوسمة المصرية.
كما تم إدراج اسمه ضمن قائمة الشرف الأمريكية التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في نهضة الولايات المتحدة، حيث احتل المركز التاسع ضمن قائمة تضم 29 شخصية بارزة، من بينهم ألبرت أينشتاين وألكسندر جراهام بيل.

أحمد زويل مستشارًا علميًا للرئاسة الأمريكية

في أبريل 2009، أعلن البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما عن اختيار أحمد زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا، والذي ضم 20 عالمًا بارزًا من مختلف التخصصات.

إرث خالد في مصر والعالم
لم تقتصر إنجازات زويل على أبحاثه العلمية فحسب، بل امتدت إلى مبادراته لدعم التعليم والبحث العلمي في مصر. وكان من أبرز مشاريعه تأسيس "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا"، والتي تهدف إلى تطوير البحث العلمي في مصر، وإعداد جيل جديد من العلماء القادرين على الإبداع والابتكار.

كما تم تكريمه في مصر بإطلاق اسمه على عدد من الشوارع والميادين، وإصدار طابع بريد يحمل صورته، بالإضافة إلى إطلاق صالون الأوبرا الثقافي باسمه، تقديرًا لدوره في إثراء العلوم والمعرفة.

وفاته وجنازته المهيبة

رحل الدكتور أحمد زويل عن عالمنا في 2 أغسطس 2016، عن عمر ناهز 70 عامًا، بعد صراع مع ورم سرطاني في النخاع الشوكي. أقيمت له جنازة عسكرية في 7 أغسطس 2016، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وكبار قيادات الدولة، تكريمًا لمسيرته العلمية العظيمة.

كلمات خالدة وإلهام مستمر

ظل زويل يؤمن بأن العلم هو مفتاح تقدم الأمم، وكان دائمًا يدعو الشباب إلى الإصرار على تحقيق النجاح والتفوق. قال في أحد خطاباته الملهمة:

"التقدم ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى إرادة قوية، وعزيمة لا تلين، وعلم يُطبق لخدمة الإنسانية."

رحل أحمد زويل، لكنه ترك إرثًا علميًا خالدًا، سيبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة في مصر والعالم.