مؤتمر الحوار الوطني السوري.. محطة مفصلية في تاريخ البلاد

انطلقت في العاصمة السورية، دمشق، أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري، بمشاركة مئات الشخصيات السياسية والمجتمعية، في خطوة تهدف إلى رسم ملامح المرحلة الانتقالية بعد التغييرات السياسية الأخيرة. يأتي هذا المؤتمر وسط تحديات كبيرة، أبرزها إعادة بناء البلاد سياسيًا واقتصاديًا، وإيجاد حلول للقضايا العالقة، مثل العدالة الانتقالية، وصياغة الدستور، وتعزيز الحريات العامة.
الافتتاح وكلمة أحمد الشرع
افتتح رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المؤتمر بكلمة شدد فيها على أهمية الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها القومي. وقال إن المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود لمواجهة التحديات وإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والقانون.
وأكد الشرع أن الدولة الجديدة ستحتكر السلاح بيدها لضمان الاستقرار، مشيرًا إلى خطورة الجماعات المسلحة التي لا تزال تحتفظ بأسلحتها خارج سلطة الدولة. كما تحدث عن أهمية تحقيق السلم الأهلي، محذرًا من محاولات بعض الجهات إثارة الفتن الطائفية وتقسيم المجتمع السوري.
كما أعلن الشرع عن بدء ملاحقة مرتكبي الجرائم خلال السنوات الماضية، وأكد أنه سيتم تشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
المحاور الرئيسية للمؤتمر
يبحث المؤتمر في ستة ملفات رئيسية، هي:
العدالة الانتقالية: آليات تحقيق المصالحة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
صياغة دستور جديد: وضع الأسس القانونية لمستقبل سوريا.
الحريات الشخصية وحقوق الإنسان: ضمان الحريات الأساسية ضمن إطار الدولة
إعادة الإعمار: كيفية إعادة بناء الاقتصاد الوطني والبنية التحتية
السياسات الاقتصادية: رسم ملامح الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة.
العلاقات الخارجية: دور سوريا الإقليمي والدولي في المستقبل.
وتم توزيع المشاركين على ست مجموعات عمل لمناقشة هذه المحاور، على أن تصدر توصيات نهائية خلال الجلسة الختامية.
الغياب الكردي عن المؤتمر
لم توجه دعوة إلى الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، حيث أكد المنظمون أن المؤتمر لم يدع أي فصيل مسلح لا يزال يحتفظ بسلاحه. وأثار هذا القرار انتقادات من قبل الأحزاب الكردية، التي اعتبرت أن المؤتمر لا يمثل جميع مكونات المجتمع السوري.
وأصدر 35 حزبًا كرديًا بيانًا مشتركًا أكدوا فيه أن أي حوار وطني حقيقي يجب أن يكون شاملًا، معبرين عن استيائهم من التمثيل المحدود للمكونات الكردية.
تصريحات وزير الخارجية حول العقوبات الدولية
في كلمته خلال المؤتمر، تحدث وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، عن الجهود المبذولة لرفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. وأشار إلى أن الحكومة الانتقالية نجحت في تعليق بعض العقوبات الأوروبية، وبدأت في فتح قنوات استثمارية جديدة لتعزيز الاقتصاد السوري.
وأكد الشيباني أن دمشق لن تقبل بأي مساس بسيادتها، وأنها ستواصل العمل على تطوير علاقاتها مع الدول التي تحترم استقلال القرار السوري، دون أن تغلق الباب أمام الحوار مع الأطراف الدولية الأخرى.
تعليق العقوبات الأوروبية
بالتزامن مع انطلاق المؤتمر، أعلن الاتحاد الأوروبي تعليق بعض عقوباته المفروضة على سوريا، لا سيما في قطاعات المصارف والطاقة والنقل.
ورحب الشيباني بالقرار، معتبرًا أنه خطوة إيجابية لتخفيف معاناة الشعب السوري. ومع ذلك، شدد مسؤولون أوروبيون على أن العقوبات قد تعود في حال لم تلتزم القيادة الجديدة باحترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية.
التحديات والآفاق المستقبلية
يواجه المؤتمر تحديات كبيرة، أبرزها تحقيق التوافق الوطني بين مختلف الأطراف، وإعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. كما يبقى ملف العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية مسألة حساسة تتطلب حلولًا متوازنة لضمان استعادة سوريا لدورها في المنطقة.
ومع اقتراب المؤتمر من إصدار توصياته النهائية، يبقى السؤال الأهم: هل سينجح الحوار الوطني في تحقيق المصالحة وإرساء دعائم الاستقرار، أم أنه سيكون مجرد خطوة رمزية لا تغيّر الواقع المعقد؟
يشكل مؤتمر الحوار الوطني السوري محطة مفصلية في مسار إعادة بناء سوريا، حيث يمثل فرصة لوضع أسس جديدة للحكم وإعادة ترتيب المشهد السياسي والاقتصادي. وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن نجاح المؤتمر يعتمد على مدى قدرة المشاركين على تقديم رؤى واقعية وحلول شاملة تضمن مستقبلًا مستقرًا وآمنًا للسوريين.