أحمد ياسر يكتب: الدروس المُستفادة من التاريخ

يقدم لنا التاريخ الحديث سوابق مقلقة… فقد هز الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي جرى من دون تفويض دولي، مصداقية الأنظمة العربية المؤيدة للغرب، وعلاوة على ذلك، يثبت التاريخ بانتظام أن القرارات المتخذة تحت تأثير الاستعجال أو الإيديولوجية أو الكبرياء السياسي نادرًا ما تعزز السلام؛ بل إنها بدلًا من ذلك تغذي دورات مستمرة من العنف.
فقد حولت معاهدة فرساي (1919)، التي صممت لمعاقبة ألمانيا بدلًا من إعادة بناء التوازن الأوروبي، الهزيمة العسكرية إلى إذلال جماعي، مما وفر أرضًا خصبة للقومية الانتقامية والحرب العالمية الثانية... وعلى نحو مماثل، حل غزو العراق في عام 2003، الذي برر باستعجال ملفق بشأن أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة، محل السياسة الواقعية بمنطق أيديولوجي محافظ جديد، مما أدى إلى تدمير هياكل الدولة العراقية وتمهيد الطريق لصعود تنظيم داعش في بلاد الشام.
إن غطرسة القوى العظمى، التي غالبًا ما تكون عمياء عن الحقائق المحلية، تتجلى أيضًا في التعامل السوفييتي مع أفغانستان (1979): فمن خلال محاولة فرض نظام شيوعي بالقوة، أشعلت موسكو حربًا دامت عقدًا من الزمان، وساهمت في صعود تنظيم القاعدة.
وتكشف هذه الأمثلة عن نمط متكرر.. فالاستعجال يضفي الشرعية على التصرفات المتسرعة، والإيديولوجية تحجب التعقيدات الإنسانية، والكبرياء يحول الأخطاء إلى كوارث… ويوضح اتفاق ميونيخ (1938)، حيث اعتقدت لندن وباريس أنهما يمكنهما شراء السلام بالتضحية بتشيكوسلوفاكيا.
هذا الوهم المأساوي.. من خلال الاستسلام للخوف المباشر من الصراع، عززت ديمقراطيات هتلر !!.. مما أدى إلى اندلاع حرب أكثر فتكًا... وتترك هذه القرارات، التي اتُخذت بتجاهل للقانون الدولي والذاكرة الجماعية، ندوبًا منهجية وحدود مصطنعة، واستياء عرقي، وشرعية مؤسسية متآكلة ــ تعوق أي مصالحة مستقبلية.
إن هذه المخاوف تذكرنا بأن السلام لا يُبنى على عجل ولا بازدراء التوازنات الهشة التي توحد الأراضي والسكان والروايات التاريخية.
ولكن الأزمة الحالية أكثر غدرًا … فهي لا ترتكز على التدخل العسكري العلني بل على التآكل البطيء لمبادئ القانون الدولي ــ حق العودة، والسيادة الإقليمية، وحظر التهجير القسري.
إن هذا الخوف يفسر رد الفعل العنيف من جانب بعض البلدان العربية، التي يعتمد استقرارها على الحفاظ على الوضع الراهن فيما يتصل بالأماكن المقدسة... وحتى خلف الكواليس، يشير الدبلوماسيون العرب إلى شبح "تأثير الدومينو": فالانتفاضات الشعبية المستوحاة من القضية الفلسطينية، إلى جانب التلاعبات الخارجية (الإيرانية، أو التركية، أو غيرها)، من الممكن أن تشعل منطقة متوترة بالفعل.
وفي مواجهة هذا الخطر، تبدو خيارات البلدان العربية محدودة بشكل خاص. الواقع أن الانقسام السياسي بين العرب ــ بين السنة والشيعة، والملكيات والجمهوريات، والدول الغنية بالهيدروكربونات والدول المفلسة ــ يمنعهم من تشكيل جبهة موحدة.
وقد سلطت المبادرات الدبلوماسية الأخيرة الرامية إلى حل القضية الفلسطينية الضوء على التحديات المستمرة في التنسيق الإقليمي، وعلى الرغم من الجهود الملحوظة، فإن الاختلافات البنيوية داخل المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية تجعل من الصعب تطوير استجابة موحدة… وعلاوة على ذلك، قد تفكر بعض الدول في إبرام اتفاقيات ثنائية لتأمين مزايا محددة، وهو ما قد يعرض التماسك الإقليمي للخطر ويؤدي إلى تكاليف سياسية طويلة الأجل.
وبهذا المعنى، قد يكمن الحل في العودة إلى أساسيات الدبلوماسية العربية… فقد شهدت فترة الخمسينيات والستينيات، على الرغم من إخفاقاتها، ظهور رؤية جماعية تتمحور حول الدفاع عن فلسطين… ومن المفارقات أن المشروع الأمريكي، من خلال استفزاز صدمة مماثلة لهزيمة عام 1967، قد يدفع الدول العربية إلى إعادة النظر في نهجها.
وتشير بعض الإشارات في هذا الاتجاه: التقارب الأخير بين المملكة العربية السعودية وسوريا ما بعد الأسد، والمحادثات بين مصر وتركيا، أو الدعوات الأردنية لعقد مؤتمر دولي بشأن غزة… ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المبادرات سوف تتجاوز مجرد إعلانات النوايا.
فضلًا عن ذلك فإن العديد من الدول العربية تلعب دورًا حاسمًا في السعي إلى إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني…. فقد أظهرت المغرب مؤخرًا على سبيل المثال التزامها بتسهيل الإفراج عن الأموال الفلسطينية التي احتجزتها إسرائيل، في أعقاب تدخل الملك محمد السادس… ويؤكد هذا التحرك الدبلوماسي على أهمية المشاركة النشطة من جانب الدول العربية في تعزيز السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط.