خبراء يجيبون لـ "الفجر".. كيف تزايد النفوذ التركي في إفريقيا؟
شهدت العلاقات التركية الإفريقية تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة، حيث أصبحت تركيا لاعبًا بارزًا في القارة السمراء عبر استراتيجيات دبلوماسية وتنموية شاملة.
حيث ظهر ذلك في الاتفاق بين الصومال وإثيوبيا خلال الأيام الماضية وأيضا مبادرة تركيا من أجل المصلحة بين السودان والإمارات العربية المتحدة.
زيادة النفوذ
من جانبه قال الدكتور أسامة أحمد المصطفي، المتخصص في الشؤون الإفريقية، إن الحضور المتزايد لأنقرة في مختلف أنحاء إفريقيا يشير إلى عودة الطموحات التركية إلى فرض نفوذها في منطقة غنية بالموارد والأهمية الجيوسياسية وبعد أن لُقِّب بـ "رجل أوروبا المريض "، أعاد تحول تركيا إلى قوة أوروبية هائلة إشعال شرارة سعيها إلى تعميق العلاقات وتوسيع نفوذها في مختلف أنحاء القارة.
أضاف المصطفي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن منطقة القرن الإفريقي على وجه الخصوص، تشكل قلب الاستراتيجية التركية في إفريقيا، نظرًا لموقعها الحرج على طول البحر الأحمر وخليج عدن وتعمل هذه الممرات المائية كممرات حيوية للتجارة العالمية وهي تشكل محورًا لتطلعات أنقرة الاقتصادية والعسكرية على المدى الطويل وتعكس استثمارات تركيا في القواعد العسكرية ومشاريع الطاقة ومناطق التجارة الحرة التزامها بتأمين موطئ قدمها الاستراتيجي في المنطقة.
أكمل حديثه قائلا:" أن نهج تركيا تجاه إفريقيا يجمع بين التركيز على تعزيز الاستقلال العسكري وتعزيز النمو الاقتصادي؛ ومن خلال تصدير معدات دفاعية ميسورة التكلفة وموثوقة، بما في ذلك الطائرات دون طيار، وضعت تركيا نفسها كشريك رئيسي للدول الأفريقية التي تسعى إلى مكافحة الإرهاب ومعالجة التحديات الأمنية؛ وعلاوة على ذلك، فإن اتفاقيات الطاقة والاستثمارات في البنية الأساسية التي أبرمتها أنقرة تظهر عزمها على إقامة شراكات اقتصادية دائمة في القارة".
أشار إلى أن الوجود المتنامي لا يخلو من التحديات فالقرن الإفريقي مساحة متنازع عليها، حيث تتنافس القوى الدولية مثل الصين وروسيا على النفوذ إلى جانب الجهات الفاعلة الإقليمية مثل مصر، وتؤكد العلاقات العسكرية والدبلوماسية المتعمقة للقاهرة في الصومال ووجودها الأوسع في المنطقة على بيئة تنافسية يمكن أن تقيد طموحات تركيا، ومما يزيد من تعقيد دور تركيا التحركات الداخلية في القرن الأفريقي، وتشكل الصراعات العرقية والقبلية وعدم الاستقرار السياسي وهياكل الحكم الهشة مخاطر كبيرة على التنفيذ الناجح للمشاريع التركية، بالإضافة إلى ذلك، أدى التقارب الأخير بين أنقرة والقاهرة إلى إدخال طبقة من التعقيد، حيث قد تحتاج كلتا الدولتين إلى تنسيق استراتيجياتهما بشأن القضايا الإقليمية الحساسة، مما قد يحد من استقلال تركيا.
أوضح أنه على رغم من هذه العقبات، لا تظهر تركيا أي علامات على التراجع عن طموحاتها الأفريقية، أن خبرة البلاد في مكافحة الإرهاب وقدرتها على تقديم حلول عسكرية فعالة من حيث التكلفة تمنحها ميزة تنافسية في المنطقة، ومن خلال تعزيز الشراكات وتوسيع نفوذها في الدول الأفريقية الأخرى، تهدف تركيا إلى ترسيخ دورها كلاعب رئيسي في النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
لفت المتخصص في الشؤون الإفريقية إلى أن نجاح تركيا في منطقة القرن الأفريقي سيعتمد على قدرتها على التنقل في مشهد جيوسياسي صعب مع الاستفادة من نقاط قوتها لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والأمنية في المنطقة وسيكون إيجاد التوازن بين التطلعات الاستراتيجية والحقائق المعقدة للقارة الأفريقية محوريًا لجهود أنقرة للحفاظ على نفوذها وتوسيعه في هذه المنطقة الديناميكية.
أهمية القارة الإفريقية
وفي هذا السياق أكد الدكتور بشير عبد الفتاح، المتخصص في الشؤون التركية، أن النفوذ التركي في إفريقيا شهد توسعًا كبيرًا منذ تولي الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة، حيث أدرك أهمية القارة الأفريقية في تعزيز الدور الإقليمي والعالمي لتركيا موضحًا أن التحركات التركية في إفريقيا بدأت بجهود إنسانية وإغاثية، شملت تقديم المساعدات وإطلاق مشاريع تنموية وثقافية، مع التركيز على بناء المساجد كمحطات أولى.
وأضاف عبد الفتاح في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن تركيا توسعت لاحقًا في التعاون الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية، لتنتقل بعدها إلى شراكات أمنية وعسكرية، شملت تصدير المنتجات العسكرية التركية وتنفيذ تدريبات مشتركة مع جيوش الدول الأفريقية، لافتًا إلى إنشاء قواعد عسكرية تركية في بعض الدول، مثل القاعدة التركية في الصومال، التي تعكس عمق الحضور العسكري التركي في القارة.
وأشار إلى أن تركيا استفادت من الفراغ الجيوسياسي الناتج عن الانسحاب الفرنسي المتزايد وانشغال الولايات المتحدة عن القارة الأفريقية، ما أتاح لأنقرة فرصة لتعزيز وجودها قائلًا:" تركيا تتعامل مع إفريقيا باعتبارها مصدرًا غنيًا بالمواد الخام وسوقًا واعدًا للمنتجات التركية المدنية والعسكرية، فضلًا عن كونها فرصة استراتيجية لإقامة تمركزات عسكرية وقواعد تعزز نفوذها في القارة".
واختتم المتخصص في الشؤون أن التحرك التركي في إفريقيا يعتمد على رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين الجانب الإنساني والتنموي مع الاقتصادي والعسكري، مؤكدًا أن أنقرة تعمل على ملء الفراغات التي خلفتها القوى الكبرى لتعزيز حضورها كقوة مؤثرة في القارة السمراء.