لقاء رمزي في أولى ليالي ديسمبر
عشاء على طاولة التهديد: ترامب يلوّح بالتصعيد ضد حماس والقضية الفلسطينية
في تطور جديد يحمل دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يعد المرشح الأوفر حظًا للعودة إلى البيت الأبيض في عام 2025، تهديدًا شديد اللهجة على منصة Truth Social. الرسالة، التي جاءت في أعقاب عشاء خاص جمعه بسارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في منتجعه بفلوريدا، تعد واحدة من أكثر التصريحات وضوحًا حول نيته إحداث تحول جذري في مقاربة الولايات المتحدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
العشاء الرمزي ورسائل ما بين السطور
لا يبدو أن اختيار سارة نتنياهو كضيفة شرف على مائدة ترامب كان حدثًا عشوائيًا. فهي تمثل في العديد من الأوساط السياسية "الداعم الخفي" لسياسات زوجها المتشددة تجاه الفلسطينيين. اللقاء حمل رسالة دبلوماسية مشفرة، مفادها أن ترامب يعيد ترسيخ علاقاته مع القيادة الإسرائيلية الأكثر يمينية. من جهة أخرى، يعد اللقاء فرصة لتنسيق الجهود بين الطرفين في وقت يمر فيه بنيامين نتنياهو بأزمات داخلية متفاقمة، أبرزها التحقيقات القضائية التي تهدد مستقبله السياسي.
تصريحات سارة بعد العشاء، التي ركزت على قضية الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، قد تكون لعبت دورًا محفزًا لإطلاق تهديد ترامب. ورغم أن ترامب لم يذكر حماس بالاسم في رسالته، فإن إشاراته إلى "الرهائن المحتجزين بعنف ووحشية" تجعل من الواضح أنه يستهدف الحركة.
أبعاد رسالة ترامب: تهديد أم مناورة؟
رسالة ترامب حملت نبرة تصعيدية غير مسبوقة، مع تركيز واضح على تاريخ 20 يناير 2025، موعد توليه الرئاسة إذا فاز في الانتخابات القادمة. لكن قراءة أعمق للنص تظهر أنه يتعدى مجرد التهديد المباشر، فهو يعكس استراتيجيات عدة:
تعزيز النفوذ الانتخابي: استخدام القضية الفلسطينية كورقة ضغط انتخابية تهدف إلى استقطاب الأصوات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وخاصة بين الأوساط المسيحية الإنجيلية التي تعد قاعدة حاسمة لترامب.
إعادة رسم الأولويات الإقليمية: الرسالة تعكس نية واضحة لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مع احتمال تصعيد كبير ضد حماس وربما ضد الأطراف الداعمة لها، كإيران وقطر.
التلويح بلغة القوة: تعكس تصريحات ترامب اقتناعًا بأن "لغة القوة" هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الأطراف الفلسطينية والعربية. وهو نهج يتناغم مع رؤية نتنياهو، الذي ما دام اعتبر أن الضغط العسكري والسياسي هو السبيل لتحقيق مكاسب لإسرائيل.
ردود فعل محتملة: عربيًا ودوليًا
قد تقود تهديدات ترامب إلى سيناريوهات مختلفة، تتراوح بين التصعيد العنيف وبين تزايد الضغوط الدبلوماسية:
تصعيد من حماس: قد ترى الحركة في تصريحات ترامب مبررًا لتوسيع نطاق عملياتها، خاصة إذا شعرت أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل عسكريًا أو سياسيًا في الفترة القادمة.
تضامن دولي مع القضية الفلسطينية: قد تحفز هذه التصريحات الدول العربية والإسلامية على تبني مواقف أكثر حدة ضد واشنطن، خاصة إذا اتسعت دائرة الدعم الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية.
تأثير على الحلفاء الإقليميين: الرسالة قد تضع الدول المطبعة مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين، في موقف حرج. إذ قد تُجبر على إعادة تقييم علاقاتها مع تل أبيب وواشنطن، في ظل احتمالات تصعيد عسكري واسع النطاق.
ترامب و"لغة التهديد": الماضي والحاضر
لم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها ترامب لغة التهديد في تعامله مع الملفات الدولية. فخلال ولايته الأولى، هدد إيران بـ "دمار غير مسبوق" إذا لم توقف برنامجها النووي، ولوّح بعقوبات قاسية ضد كوريا الشمالية. لكن الأمر المختلف هنا هو التركيز الواضح على القضية الفلسطينية، التي لطالما تعامل معها ترامب بسياسات حددتها صفقة القرن.
هذه العودة إلى الملف الفلسطيني الإسرائيلي تشير إلى أن ترامب يرى في هذه القضية فرصة لإعادة ترتيب أوراقه السياسية والدولية، مستفيدًا من الأزمات الراهنة في المنطقة.
سيناريوهات المستقبل: ما بين التصعيد والحل المؤقت
على ضوء هذه المعطيات، تبدو الخيارات المطروحة أمام الأطراف المختلفة محدودة ومعقدة:
سيناريو التصعيد الشامل: إذا قررت حماس تجاهل التهديدات الأمريكية، قد نشهد تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا واسع النطاق بدعم أمريكي غير مسبوق. هذا التصعيد قد يمتد ليشمل قوى إقليمية، مما يهدد باندلاع حرب شاملة.
حل دبلوماسي مؤقت: قد تحاول دول عربية أو أوروبية التوسط لتجنب الانفجار، عبر التوصل إلى اتفاقيات مؤقتة تتعلق بملف الأسرى والتهدئة.
استمرار الوضع الراهن: إذا بقيت التصريحات الأمريكية مجرد تهديدات دون خطوات فعلية، قد تستمر حماس في موقفها الحالي، مع تحمل مخاطر محدودة في المدى القريب.
هل نحن أمام عهد جديد؟
تحمل رسالة ترامب نذر تغيرات كبرى في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة إذا عاد إلى البيت الأبيض. لكنها تعكس أيضًا توترًا متزايدًا في المنطقة، حيث تبدو الأطراف المختلفة عالقة بين تصعيد محتمل وحلول مؤقتة.
في النهاية، تبقى التساؤلات مفتوحة: هل ستسهم هذه التهديدات في تحقيق الاستقرار أم ستقود إلى مزيد من الفوضى؟ وهل سنشهد عهدًا جديدًا من الصراعات الإقليمية تحت قيادة ترامب؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات، بينما يراقب العالم مائدة التهديد التي يجلس عليها الجميع.