هاريس وترامب.. الداعشية في ثوب التحضر
جميعنا لا يختلف على رفض كل ما تنتهجه داعش وعناصرها من أفكار تطبقه في صورة قتل وذبح واستحلال نساء ونخاسة، وأشياء يأباها الإسلام فضلا عن فطرتنا السوية الوسطية التي ترفض العنف بأشكاله كافة.
ولا يوجد اختلاف بين رفض تصرفات من ينفذ ذلك على أرض الواقع أو يؤيده، في ثوب الشخص الداعشي المعمم المرتدي جلبابا المدجج بالسلاح، الذي يعيث في الأرض فسادًا، وبين من يدعو لذلك علانية مرتديا «بدلة وكرافتة» يدخن سيجارا.
بيد أن العالم حاليا يعيش أسوأ فتراته، في ملف حقوق الإنسان والأقليات واحترام تقرير الأقليات لمصيرها، واحترام القانون والقرارات الدولية ومؤسسات العالم مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية.
عالم أصم وأبكم أمام حرب إبادة جماعية مستمرة منذ 11 شهرا وتقترب من نهاية عامها الأول، ما دام كانت من قوة غاشمة مثل الاحتلال الإسرئيلي، المدعوم بشكل فج من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا والقوس مفتوح لضم الداعمين للطرف الأقوى دائما، ما دام كان الضحية عربي مسلم من دول العالم النامي.
بينما ذلك العالم، شجاع قوي صارم أمام روسيا عندما فكرت إعاقة انضمام جارتها أوكرانيا إلى كنف الغرب حيث حلف الناتو وارتداء العباءة الأمريكية، التي تسعى بكل الطرق لتقويض النفوذ الروسي وتحجيمه، للاستفراد بقيادة العالم بلا منازع.
بالعودة إلى دواعش البيت الأبيض، فالكلام هنا ينصب على أشخاص لا يرتدون العمة ويطلقون اللحى المنفرة ويرتدون جلبابا مهترئًا يسيئ للإسلام وينفر منه المسلم قبل غيره، فإننا اليوم أمام صراع انتخابي محتدم بين المرشحين الحزبيين كاميلا هاريس من الحزب الديمقراطي بشعاره الشهير «الحمار» وبين دونالد ترامب من الحزب الجمهوري وشعاره الأشهر «الفيل».
المرشحان صراحة يستحقان لقب الدواعش «الشيك» المنمقين المهندمين الثريين، ولكنها بلاشك متطرفي الفكر والأيدلوجية، لا يختلفان كثيرا عن داعش، غير أن الأخيرة تنفذ ما تقول على الأرض، بينما المرشحين يؤيدان مزيدا من الدماء في غزة ويوفران الغطاء للاحتلال لاستكمال المقتلة التي لم يشهدها التاريخ، كل في موقعه، ترامب الذي بادر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وكان ذلك بمثابة أول مسمار لحدوث هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، الذي يتفاخر الآن، بأنه لو كان في الحكم لما حدث السابع من أكتوبر، وأيضًا حديثه عن الدعم القوي للكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه، وكاميلا هاريس التي تقود العالم الآن، كنائبة رئيس لما يقرب من 4 سنوات وفي فترتها بدأت حرب الإبادة، وفي ظلها وفرت كل الدعم للاحتلال من أسلحة وإعاقة للقرارات الأممية وتعطيل قرارات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية، وكذلك تصريحها في آخر مناظرة لها بأنها تدعم الكيان المحتل في الدفاع عن نفسه.
كلا المرشحين يتباريان الآن، لكسب تعاطف الصهاينة لأنهم يعلمون علم اليقين أن الصهيونية هي المتحكمة في السياسة الأمريكية، ولكن المضحك في الآمر أن المرشحين يعايران بعضهما البعض بأن أحدهما يقصر في دعم الاحتلال!!
11 شهرا وأكثر من القتل والدمار والتهجير والمجازر، وأكثر من 40 ألف شهيد 90% منهم أطفال ونساء وشيوخ، وكذلك نحو 100 ألف مصاب، لا يشفعان للفلسطينيين أمام ترامب وهاريس، ولا يلقيان لهما بالا، كل هذه الدماء ويرى المرشحان أنهما مقصران في دعم الاحتلال الذي يدعى أن المقاومة قتلت منهم 2000 إسرائيلي في هجوم 7 أكتوبر، واتضح بعد ذلك أن 500 منهم قتلوا بنيران طيران الاحتلال ودباباته التي تدخلت لقتل عناصر المقاومة يومها.
إننا أمام أسوأ حقبة تاريخية، ازدواجية في المعايير، صمم أخلاقي يندى له جبين البشرية، بكم في الدفاع عن الحق وعمى عن نصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم المعتدي.
إن الأمريكيين الذي انتفضوا للدفاع عن المظلومين في غزة اليوم، في موقف لا يحسدون عليه، أمام خيارين كلاهما مر، بين السيئ والأسوأ، ماذا يختارون؟، سيدة تؤيد، منذ 11 شهرا، الدماء في غزة بسبب الأسلحة الأمريكية الفتاكة والحماية التي توفرها لوليدتها إسرائيل، بل تأتي بعد كل هذا الآن، تقول إنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وبين آخر يريد أن يستكمل المجازر ويجعل ليديه نصيبا من الدماء عندما يصل إلى سدة الحكم، لديه شراهة لرؤية الجثث والأشلاء أكثر وأكثر في الشوارع والطرقات وأسفل أنقاض المنازل.