الصين وأوروبا.. هل تنجح مبادرة ألمانيا في تهدئة التوترات؟
وافقت الصين على الدخول في محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن قرار فرض رسوم جمركية أعلى على واردات السيارات الكهربائية الصينية، وذلك خلال زيارة نائب المستشار الألماني لبكين بهدف تهدئة التوترات.
ورحب وزير الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي الألماني، روبرت هابيك، بخطوة الصين للدخول في مناقشات مع بروكسل بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، لكنه قال إنها "خطوة أولى وستكون هناك حاجة إلى خطوات أخرى كثيرة".
جاءت تصريحاته بعد أن قالت وزارة التجارة الصينية إن بكين وبروكسل اتفقتا على إطلاق مشاورات بشأن تحقيق لمكافحة الدعم أطلقه الاتحاد الأوروبي العام الماضي.
وأدى التحقيق إلى اتخاذ قرار هذا الشهر بزيادة الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية إلى ما يصل إلى 48 بالمئة.
وجاء هذا الإعلان بعد مؤتمر عبر الفيديو بين وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو ونائب الرئيس التنفيذي للاتحاد الأوروبي والمفوض التجاري فالديس دومبروفسكيس.
ألمانيا كانت قد انتقدت قرار الاتحاد الأوروبي بزيادة الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية. ويعد هابيك أول سياسي أوروبي كبير يزور البلاد منذ الإعلان عن الرسوم الإضافية.
السوق الصينية ذات أهمية حاسمة بالنسبة لصناعة السيارات الضخمة في ألمانيا، مما يجعل برلين عرضة بشكل خاص لأي إجراءات انتقامية من جانب بكين، التي أعلنت بالفعل عن تحقيقاتها الخاصة لمكافحة الإغراق في منتجات لحوم الخنزير في الاتحاد الأوروبي.
وفي حين استخدم لهجة تصالحية بشأن التعريفات الجمركية، التي لم يتم الانتهاء منها بعد، انتقد هابيك صادرات الصين المتنامية إلى روسيا، واستشهد بجهود ألمانيا لوقف صادرات السلع "ذات الاستخدام المزدوج" وذات التطبيقات العسكرية المحتملة.
وتابع: "نظرت إلى أرقام التجارة ووجدت أن التجارة الصينية مع روسيا زادت بأكثر من 40 بالمئة العام الماضي.. بالطبع تمثل الطاقة جزءًا كبيرًا منها، ولكن ما يقرب من نصفها يرتبط بالسلع ذات الاستخدام المزدوج.. هذه سلع من الناحية الفنية يمكن استخدامها في ساحة المعركة وهذا يجب أن يتوقف".
وتعد الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لألمانيا، وقد سعت برلين إلى التعامل بعناية مع التوترات المتزايدة بين بكين وواشنطن والتي تزايدت بشكل حاد بعد الحرب في أوكرانيا في العام 2022.
كما زار هابيك بكين حيث التقى بوانغ وينتاو وتشنغ شن جيه، رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح. وقال إنهم تحدثوا عن قضايا الطاقة والمناخ وكذلك حقوق الإنسان مع المسؤولين الصينيين كجزء من "مناقشات مكثفة". لم يتحقق الاجتماع المتوقع مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ.
وقال نائب المستشارة الألمانية يوم الأحد إن الصين يجب أن تجد بديلًا آمنا للفحم بعد أن عززت البلاد إنتاج مصدر الوقود كثيف الكربون. وقال خلال زيارة إلى مدينة هانغتشو: "دون الصين لن يكون من الممكن تحقيق الأهداف المناخية على مستوى العالم".
وفرض الرئيس الأميركي جو بايدن تعريفات بنسبة 100 بالمئة على السيارات الكهربائية الصينية هذا العام، وهي أعلى من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الولايات المتحدة تستورد كميات أقل بكثير.
والتقى أولاف شولتز، المستشار الألماني، بالرئيس شي جين بينغ في أبريل الماضي، وشجع الرئيس الصيني على الضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وقد أشاد شي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بعلاقتهما الوثيقة وأقسما على زيادة التجارة. وأصبحت روسيا خامس أكبر شريك تجاري لدولة واحدة للصين العام الماضي، ارتفاعًا من المركز التاسع في العام 2020، حيث وصلت التجارة إلى 240 مليار دولار. وارتفعت الصادرات الصينية إلى روسيا بنسبة 46.9 في المائة في عام 2023 على أساس سنوي، وفقا للبيانات الرسمية.
رغبة مشتركة في تجاوز الخلافات
يقول مدير المكتب الإقليمي لمجلة "الصين اليوم" بالشرق الأوسط، الخبير في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
بشكل عام هناك حرص من قبل الطرفين (بكين والاتحاد الأوروبي) على استمرار العلاقات والتواصل، خاصة على الجانب التجاري.
دول الاتحاد الأوروبي لا ترغب أن تكون رهينة للعلاقات الصينية الأميركية؛ خاصة في ضوء ارتفاع حجم التبادل التجاري مع بكين، والمتوقع وصوله إلى تريليون دولار خلال الأعوام القريبة.
ويشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين أوروبا والصين بلغ في العام الماضي 2023 نحو 738 مليار دولار، وفق بيانات يوروستات.
ويوضح إسماعيل أن هناك حاجة متبادلة للعمل على تسوية الملفات الخلافية، تعززها الرغبة المشتركة في استمرار العلاقات الاقتصادية، لا سيما وأن الصين سوقًا واسعة تستهدفها دول أوروبا على الصعيد الاقتصادي، كما ترى الصين أن خلافاتها مع أوروبا مرحلية تجارية وليست خلافات استراتيجية مثل وضعها مع أميركا وأزمة تايوان.
ويشير الخبير في الشؤون الصينية في السياق نفسه، إلى أنه من المتوقع الوصول إلى تفاهمات في القضايا التجارية والاقتصادية على الرغم من اتهامات أوروبا للصين بما يسمى بـ "تشويه السوق" ومزاعم أوروبية في هذا السياق، خاصة فيما يتعلق بقطاع السيارات الكهربائية وما تصفه أوروبا بـ "المنافسة غير العادلة" للسيارات صينية الصنع مع السيارات الأوروبية، وبالتالي هناك مشكلات ولكن الرغبة والإرادة متوفرة لحلحلتها.
أهمية العلاقات التجارية
من بروكسل، يوضح خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي تشهد توترًا يومًا بعد يوم.. ليس فقط على الصعيد السياسي ودعم الصين للموقف الروسي في حرب أوكرانيا، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالحرب التجارية بين الجانبين.
دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل كبير على الصين في استيراد اديد من المواد، سواء المصنعة والمواد الزراعية، بالإضافة إلى المواد المستخدمة في صناعات تكنولوجية متقدمة.
دول الإتحاد الأوروبي ترغب في تجنب تكرار الوقوع في موقف مماثل لعلاقاتها مع روسيا (عندما كانت دول القارة تعتمد على موسكو في تأمين حاجتها من الغاز، ما اضطرها لمواجهة أزمة طاقة حادة بعد الحرب في أوكرانيا ومع العقوبات على المفروضة على موسكو)، وبالتالي تسعى إلى تخفيف اعتمادها على استيراد المواد المصنعة والأولية من الصين.
لكن بركات يتوقع عدم قدرة أوروبا على إيجاد بدائل تغنيها عن التعامل الكامل مع الصين، خاصة وأن دول الاتحاد الأوروبي تعتبر من أهم المستوردين للمواد المصنعة والأولية والتكنولوجية من بكين، ولذلك سيكون من الصعوبة بمكان إيجاد بديل تجنبًا لتحمل تكلفة ضخمة.
ويوضح أن الصين تصدر مواد كثيرة بأسعار مخفضة وأقل بكثير من أسعار المواد في السوق العالمية، وسيمثل إنتاجها داخل أوروبا تكلفة باهظة، لا سيما في ضوء عدم وجود مخزون كاف من هذه المواد لذلك ستستمر في استيرادها من الصين.
ويضيف: المرحلة الأخيرة تشهد حدة التوتر في العلاقات في ضوء رفع أوروبا الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين وهو ما يثير غضبًا في بكين التي تريد فرض جمارك أيضًا، متوقعًا استمرار الازمة لسنوات قادمة وعدم وجود حلول في الوقت القريب.