فى الذكرى ال 18 لوفاته.. "متَّى" المسكين.. رفض تدخل الكنيسة فى السياسة.. اختلف معه البابا شنودة عقيديا.. رحل ولايزال مثيرا للجدل
احيا دير ابو مقار بوادي النطرون، ذكرى نياحة الأب متَّى المسكين الـ18، ومؤسس نهضته الحديثة روحيا ومعماريا، إذ صلى رهبان الدير القداس الإلهي على روحه الطاهرة إلى جانب عدد من الشعب القبطي.
يعتبر الأب متَّى المسكين، أحد أكثر الشخصيات القبطية إثارة للجدل فى تاريخ الكنيسة المصرية، فهو من ناحية يعتبر أحد أهم الرهبان الذين أعادوا إحياء دير الأنبا مقار بوادى النطرون، مع جماعته الرهبانية (12 راهبًا)، بعد أن كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ وعهد إليه البابا كيرلس مهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية فى الدير من جديد، ويعد دير القديس الأنبا مقار ببرية شيهيت بوادى النطرون أحد أشهر وأقدم الأديرة القبطية فلم يعرف على وجه التحديد تاريخ تأسيسه ولكن الحياة الرهبانية بدأت فيه فى الثلث الأخير من القرن الرابع الميلادى.
من جانبه قال الكاتب كمال زاخر، ان الأب متى المسكين لم يُكتشف بعد، فهو لم يذهب للدير سعيا لرهبنة تقليدية، ومن يتتبع تسجيلاته يتبين له أنه اختار الرهبنة، مكانًا ومناخًا، لمزيد من اكتشاف "الله"، باستغراق وعمق، وقد كشف تفاصيل ذلك الاختبار، والاختبار، فى كلمة له حملها شريط بعنوان "تأثير الإنجيل فى حياته الراهبانية"؛ ١٩٧٤، فكان له ما سعى اليه، وجاءت اوراقه لتحمل نتائج هذا، فيض من انسكاب المداد فى دوائر الحب الإلهى، لتترجم فى كتب صارت مراجع موثوقة وموثقة لماهية ما وراء الطبيعة، واسرار الفداء والخلاص وعمل الله وحبه للانسان، وكيف رده إلى رتبته الأولى، من العبودية إلى البنوة، وفهمه لشخص المسيح ومسارات المرء اليه.
وتابع فى تصريحات ل" الفجر"، استطاع "متى" ان يُخضع الانسان العتيق للنعمة التى غمرته، بصرامة وحزم وحب، فترجم الزهد إلى حياة معاشة حتى مماته الذى رسم طقوسه فى وصية لأبنائه، التزموا بها، فتم مواراته التراب فى صحراء الدير، بلا ملامح فخيمة، فقط شاهد يشير إليه، فحملته الملائكة إلى بيته الأبدى، وبقى لنا ارثه اللاهوتى الحياتى دربا نسير فيه، وكان من الطبيعى ان يثير حول اختياراته ونتائجها موجات من ردود الفعل المتباينة بين القبول والرفض خاصة وهو يملك ملكات البحث والتوثيق للعقائد الايمانية من مصادرها المدونة باليونانية، لغة اباء الكنيسة الأولى، وهو أمر لم يتوفر لكثيرين من اترابه.، فهو راهب امين قدم للمكتبة المسيحية العديد من الكتب التى تحسب مراجع لاهوتية وفكرية ايمانية، وتفسيرات عديدة للاناجيل والاسفار الممقدسة التى صارت محل احترام وتقدير عند كبار اللاهوتيين فى العالم.
واكمل، والهجوم على كتاب الكنيسة والدولة يأتى ممن يرفضون تحجيم دور الكنيسة السياسى، والذى يغلق امامهم ابواب تحققهم السياسى - عبر الكنيسة على ارضية المحاصصة الطائفية، بحكم مواقعهم، وكشف الخلط بين العمل الاجتماعى برؤى مسيحية وبين التوظيف السياسى له.، وتعتبر العلاقة بين الاب متى المسكين وبين قداسة البابا شنودة الثالث بدأت مبكرًا جدا وهما بعد فى شرخ الشباب، بعد رهبنة الاب متى ١٩٤٨، فيما كان البابا مازال علمانيًا باسم (نظير جيد) وكان يسعى اليه فى ديره للتلمذ عليه، وسجل الاستاذ نظير هذا فى مقالاته فى مجلة مدارس الأحد وما ان انتهت المقالات حتى ذهب إلى الدير طلبا للرهبنة ١٩٥٤ وصدرت المقالات فى كتاب انطلاق الروح.، وفى تطور لاحق توطدت العلاقة بينهما، بعد ان صار الاستاذ نظير الراهب انطونيوس السريانى،. وكان ضمن الاثنى عشر راهبًا الذين خرجوا من دير السريان مع معلمهم القمص متى المسكين حتى استقروا بدير الانبا صموئيل المعترف بمغاغة. وقد سجل رهبان دير ابو مقار تفاصيل هذا الخروج في كتاب السيرة التفصيلية للأب متى المسكين.، وبعد شهور قليلة يعود الراهب أنطونيوس السريانى إلى دير السريان منفردًا، وتبدأ مر حلة التحول من التلميذ إلى المواجهة، التى تتصاعد بصعود الراهب أنطونيوس السريانى فى الدرج الكنسى، سكرتيرا لقداسة البابا كيرلس فأسقف للتعليم فبطريركًا ومعه تتصاعد الخلافات التى صارت معلنة فى كتب ومحاضرات البابا.
واوضح، كان تصور الرئيس الراحل " السادات " ان يحل الاب متى المسكين محل البابا شنودة الثالث بعد عزله ووصته تحت التحفظ بدير الانبا بيشوى، لكن الاب متى أوضح له ان هذا لا يجوز كنسيا ولا يقبل هو به، واقترح اسما ادارة علاقة الكنيسة بالدولة من خلال لجنة خماسية من شيوخ مطارنة واساقفة الكنيسة وهو ما حدث.، كما ان اراء الاب متى موثقة بمراجع كنسية وهى شأن أى طرح فكرى جاد تكون مجل جدل بين المهتمين وقد فتح الباب للتواصل مع كتابات الاباء الأولين فى الكنائس التقليدية بداية من كتابه الأول (حياة الصلاة) والذى قدم الراهب أنطونيوس السريانى ظبعته الأولى.، الان كتب ابونا متى متاحة فى اغلب المكتبات المسيحية بشكل طبيعى.
كما قال الدياكون ديسقوروس أسعد،الاب متى المسكين نزعت درجته الكهنوتية والرهبانيه بيد البابا كيرلس السادس ومع الوساطه أعاد له قداسته الدرجه الرهبانية ولم يعيد الدرجه الكهنوتية لذا فوفقا لقوانين الكنيسة هو ليس كاهنا.
وتابع فى تصريحات ل" الفجر"، من خلال معاصرته لثلاثه بطاركه كان دائم الصدام بأفعاله وتعاليمه الخاطئه فاقاله البابا يوساب من وكاله البطريركية بالاسكندريه بعد شكوى من كهنه الاسكندرية ضد هرطقاته وضد أفعاله، وترتب عليه أن متى المسكين تفاخر بأنه من وراء عزل البابا يوساب، ثم اصطدم بالبابا كيرلس الذي وصفه بالمسكون وحرمه تسع سنوات ثم البابا شنوده الذي تصدى لتعاليمه فكان انتقام متى المسكين أنه تأمر مع السادات في اعتقال آباء الكنيسة وقتها، لذا فولاء متى المسكين هو لنفسه فقط وليس لايمان أو عقيده.
واكمل، ان كتاب الكنيسه والدوله حمل اخطاء واتهامات فادحه كتبه المسكين ليتملق الدوله دون ثبات على مبدأ أو عقيده لذا فالكتاب يعتبر عارا على كاتبه وليس الكنيسة القبطية الوطنيه، حاول البابا شنوده مرارا أن يجعل متى المسكين يتراجع عن هرطقاته ثم واجهه بالتعليم ليمحو الذنب بالتعليم لكن متى المسكين ظل معاندا لآخر ايام حياته، وعندما طلب السادات من المسكين أن يتولى البطريركية كان المسكين يعلم جيدا أن قوانين الكنيسة تمنع هذا لذا فرفضه كان اضطرارا منه وليس لأي سبب آخر وهو الذي حاول الترشح للبطريريكه مرتين وفشل، فخرج اضطراراه هذا في مقالات شماته في قيادات الكنيسه نشرت في أكثر من موضع وقتها.
وختم، حملت كتب متى المسكين هرطقات حوكمت قديما وتعاليم مشككه غير صحيحه حتى أنه شكك في الكتاب المقدس وادعى على غير الحقيقه وجود أخطاء وأعلن بكل صفاقه أن الوحي المقدس لم يعصم الكتبه الانجيل فاستخرج لهم أخطاء، لذا فهذه الكتب لا مكان لها على منابرنا.
جدير بالذكر، الأب متى المسكين اسمه يوسف إسكندر يوسف، ولد يوم 20 سبتمبر سنة 1919 في أسرة كبيرة عددًا، وفي عام 1957 رُشِّحَ للبطريركية ضمن مجموعة من الرهبان (من خدام مدارس الأحد)، ولم يتم ذلك بسبب لائحة 1957. في عام 1958 أنشأ القمص متى بيتًا للمكرسين من الشباب المتبتل الذين يرغبون في الخدمة- دون الرهبنة- وكان مقره المؤقت في حدائق القبة، ثم انتقل في أوائل عام 1959 إلى حلوان، وتوجه الأب متى من دير الأنبا صموئيل في 27 يناير 1960 مع 12 راهبًا إلى بيت التكريس في حلوان، وأقاموا فيه بصورة مؤقتة لحين صدور توجيهات البابا كيرلس السادس لاختيار الدير الذي يناسبهم، ولكن صدر قرار بطردهم من القاهرة.
وعزله قداسة البابا كيرلس السادس من الرهبنة والكهنوت لمدة 9 سنوات، فتوجهوا إلى صحراء وادي الريان وحفروا مغائر عاشوا بها لمدة تسع سنوات، وكان بعض المعارف يرسلون لهم طعامًا كل شهرين على قوافل جِمال، وفي تلك الفترة أعلن الأنبا ثاؤفيلس، أسقف دير السريان، في جريدة "الأهرام" عن تجريد هؤلاء الرهبان من رتبهم وأسمائهم الرهبانية، بعد 6 سنوات أرسل البابا كيرلس السادس خطابًا له يطلب منه إرسال ثلاثة رهبان لدير الأنبا صموئيل، فتم ذلك، بعد ثلاثة سنوات أخرى طلب البابا كيرلس لقاء مع القمص متى عام 1969؛ لإجراء المصالحة وإعادته للرهبنة، وكانت في حضور القمص صليب سوريال والأنبا ميخائيل مطران أسيوط.
استمرت حركة التأليف الديني وأصبح له أكثر من 180 كتابًا بخلاف ما ينشره من مقالات في مجلات وجرائد دورية (أكثر من 300 مقالة). في عام 1988 بدأ في تأليف شروح لبعض أسفار العهد الجديد صدرت في 16 مجلدا، تتسم بالشرح الأكاديمي والتفسير الروحي واللاهوتي. ويتراوح حجم هذه التفسير بين 500- 800 صفحة.
بعض هذه الكتب والمقالات تُرجم إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية واليونانية والإسبانية والهولندية والبولندية (بلهجاتها). حياة الدير اليومية ليست مُقيَّدة بقوانين رهبانية صارمة، ولكنها قائمة على إلهام الروح للأب الروحي من جهة كل راهب وكل أحداث الحياة اليومية. حياة الرهبان معًا حياة شركة، وفي الوقت نفسه حياة توحد، لأن القلاية التي يسكن فيها الراهب تجعله قادرًا على أن يؤدي عبادته دون خروج منها. ظل حتى وهو على فراش المرض في سن السابعة والثمانين يكتب ويؤلف. وقد أصدر 4 أجزاء من أحدث كتاباته سلسلة باسم "مع المسيح" في هيئة مقالات تأملية في الإنجيل لتعليم وتعزية الشعب المسيحي في مصر والعالم، ويجري حاليًا ترجمتها إلى الإنجليزية.