ديكتاتورية «تكوين» المولود بشهادة وفاة

مقالات الرأي

أحمد سامي
أحمد سامي

منذ اليوم الأول لإعلان تشكيل مركز «تكوين»، إلا وكتبت شهادة وفاته، لما أحيطت به من علامات استفهام لشخصيات مجلس الأمناء المعروف عنهم انتقادهم المستمر لبعض أمور الدين، بل ووصل الشطط ببعضهم لإنكار أمور تمس العقيدة والقدح في آيات القرآن الكريم.

المركز الذي ولد بشهادة وفاة، عُرِّف من قبل مجلس أمنائه، بأنه أنشئ بهدف تجديد الخطاب الديني وتطوير الفكر المصري والعربي وتنويره أمام الانحرافات الدينية التي توجد في كتب التراث، في إطار التوجه نحو تجديد الخطاب الديني، الذي ذاع صيطة في السنوات الأخيرة، تعرض لحملات انتقاد كبيرة، على جميع المستويات ومن جميع الفئات، اعتراضا على أعضاء مجلس الأمناء الذين عرف بعضهم بالإلحاد، والآخر بانتقاد السنة، وسط تساؤلات هنا وهناك، عن: كيف لمن ينكر وجود الله والجنة والنار ويسخر من الآيات القرآنية وأمور دينية أخرى، أن يجدد الخطاب الديني ويتحدث بفهم في أمور الحديث والإسناد وينقح الحديث الضعيف من الحديث ذي الإسناد القوي؟، وكيف نتأكد من صدق كلامه إذا كان يدعو للإلحاد في الأساس، ويشكك في أمور الدين؟.

الهالة السلبية التي أحاطها الناس بأعضاء مجلس أمناء المركز الوليد، -التي برأيي- كتبت شهادة وفاة المركز، نابعة من تصريحات كثيرة منفرة، منها سخرية أحد الأعضاء من آية قرآنية صريحة، وهي آية «هلك عني سلطانية»، بترديده كلمة «سلطانية» بسخرية وتمايل، فضلا عن إنكاره رحلة الإسراء والمعراج، وعذاب القبر، وغيرها.

وليس هذا وفقط، بل كان من أراء أحد أعضاء المجلس من جنسية دولة عربية، أن أنكر وجود الجنة والنار وعذاب القبر، مدعيا أنها من الأساطير والأمور الرمزية، فضلا عن أخرى سخرت من شعيرة الأضحية باعتبارها عملا غير إنساني، وإنكار أخرى وجود الله.

وبعيدا عن إنكار أمور دينية منصوص عليها صراحة في القرآن الكريم، كانت فكرة الجهل بالمصطلحات حاضرة، ومنها خطأ أحد الأعضاء في معنى كلمة «متبول» عند حديثه عن بيت شعر «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» وتفسيره معنى الكلمة بـ«وضع قلبه في التوابل»، ورغم ذلك لم يعتذر عن تفسيره الخاطئ بل أصرَّ.

وجهل أخرى بالسيرة النبوية، عندما ادعت أن السيدة خديجة أم المؤمنين زوجة النبي عليه الصلاة والسلام دعت ابنتيها هند وهالة إلى الإسلام، ولم تدع نساء غيرهما، -ومع أنها تعرِّف نفسها بأنها باحثة في الدين الإسلامي- إلا أنها جهلت أن (هند وهالة) هما اسمي لولدين أنجبتهما السيدة خديجة، ليخرج عضو مجلس الأمناء يدافع عنها بقوله «باحثة مبتدئة»، ولا أعرف ما مؤهل الباحثة المبتدئة لتجدد في الدين.

ما طرح السؤال: كيف لمن لا يجيد فهم معاني المصطلحات أن يجدد التراث، الذي يحتاج إلى فهم عميق للمصطلحات التي تحويها الكتب والإسنادات؟، وكيف لمن لا يفهم في السيرة أن يجددها؟

بيد أن الانقسام الواضح على مستوى مجلس الأمناء، من كثرة التصريحات المختلفة لأكثر من عضو بشكل منفرد عن الآخر، تؤكد حالة التشرذم وغياب التنسيق بين أعضاء المجلس، فهم إلى اليوم كل في وادٍ وكل يغني على ليلاه، ما بين عضو يقبل إجراء مناظرات مع دعاة دين، وآخر يرفض، وثالث يظهر في البرامج يتحدث بإسهاب في أمور مختلفة، من دون أن يكون هناك متحدث رسمي باسمهم جميعا، للرد على ما يثار من أسئلة أو أمور مطلوب التحدث فيها.

أضف إلى ذلك غياب الرأي الآخر الذي ينبغي له الرد على الباحثين في المركز، في ترسيخ واضح لديكتاتورية الرأي، التي تتنافى مع منطقهم في حرية التفكير والنقد، فيما يتعلق بالأمور التي يناقشونها ويعملون العقل فيها، حتى يقتنع المتلقي بصحة وسلامة رأي أعضاء المركز إن كانوا على صواب، وإلا فما الذي يجعلني ويجعل المشاهد يؤمن بصدق رأي المتحدث من أعضاء المركز.

أيضًا من الأشياء المريبة لي، التي تجعلني أصرف النظر عن الأطروحات والمناقشات التي يقدمها أعضاء المركز، هو حصر كل اجتهاداتهم في السنة فقط، فلا حديث في أي مجال آخر ديني أو سياسي أو اجتماعي، جُل أحاديثهم في تكذيب السنة النبوية والطعن في شخوص الرواة والناقلين والتشكيك في أمور تمس العقيدة.

وما زاد من ريبة الأمر، هو رفض مجلس الأمناء وأعضاء المركز، إجراء مناظرات مع دعاة دين للرد على أسئلتهم، حتى وصل الأمر إلى إعلان الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، إلى إصدار بيان قال فيه: «جاءتني اقتراحات كثيرة بعد إشهار (مركز تكوين) بخوض مناظرة أخرى مع الأستاذ إسلام البحيري أو الأستاذ إبراهيم عيسى، فوجدت أن هذا غير مناسب، لأنه يعني كأننا ما زلنا لم نبرح مكاننا وأننا نعيد أنفسنا ولم نتقدم خطوة منذ سنة 2015م. (3) المناظرة الكبرى، وأنا وحدي سوف أناظر كل أعضاء مركز تكوين مجتمعين».

وتابع الأزهري معللا قبوله إجراء المناظرة: «اليوم لم تعد القضية هي الأستاذ إسلام البحيري أو الأستاذ إبراهيم عيسى على حدة، بل صار هناك تجمع لعدد من هؤلاء السادة الكرام، فالمقترح الذي أطرحه اليوم هو الدعوة إلى مناظرة كبرى، بشرط أن يجتمع فيها كل أعضاء (مركز تكوين) في جهة وأنا منفردا في جهة. فأدعو الدكتور يوسف زيدان، وإبراهيم عيسى، وإسلام بحيري، وفاطمة ناعوت، وبقية أعضاء المركز، وأضم إليهم الدكتور زاهي حواس، إلى مناظرة محددة يكونون فيها جميعا في جهة وأنا في جهة مقابلة لهم».

ختاما، إذا كان من حق أعضاء مركز تكوين الخوض في القضايا الدينية وإنكار صحة الأحاديث والروايات المتواترة عن النبي والصحابة، والتشكيك في صدق الرواة، فمن حق المتلقي أيضًا أن ينكر ما يقولوه، لسببين الأول: ما داموا تفردوا وحدهم بالرأي ومنحوا أنفسهم صكوك الصدق، وثانيا: لرفضهم النقاش مع المختصين من رجال الدين،  المتمكنين في أمور الدين والأعلم بالسنة وعلوم الحديث والتفسير.