د. رشا سمير تكتب: سُعار الأسعار!
ما يحدث في مصر الآن داخل السوق المصري ليس إلا حالة لا تختلف كثيرا عن حالة "السُعار"..
والسُعار في المُعجم العربي له أكثر من معنى، فهو قد يعني " شدة الجوع" أو "داء الكلب" أو "الجنون"..
القصة حزينة وتتكرر كل يوم..
مما لا شك فيه أن مصر مثل كل دول العالم تمر بأزمة إقتصادية عنيفة نتيجة ما يجابهه العالم اليوم من تحديات وحروب وأوبئة، الإختلاف الوحيد أننا في أزمة أكبر لكثير من الأسباب أهمها عدم وجود مجموعة إقتصادية لديها رؤية قادرة على إنتشالنا من الأزمة!.
المأساة الأكبر تكمن في الأزمة الإنسانية وليست الأزمة المالية!
الأزمة الحقيقية هي أزمة أخلاق..أزمة ضمائر..أزمة رقابة..وإفتقار بكل المقاييس إلى الحد من جشع التجار!.
منذ شهور ليست ببعيدة كلما قررت أنا أو غيري شراء أي سلعة يصدمك رد واحد متكرر من كافة التجار الصغير منهم قبل الكبير..
" إلحق إشتري قبل التعويم علشان بكرة هنغلي".. أو.." للأسف وقفنا البيع لأن الدولار طالع وهنرجع نسعر السلع بعد التعويم"!..
هذه الجمل الإعتباطية الشهيرة تبدأ من بائع الفجل والجرجير وتنتهي بشركات بيع مكيفات الهواء والسيارات والهواتف المحمولة!
وكأن الجنيه يتعلم العوم، وكأن الجنيه قد أخبر التجار بميعاد نزوله المياه، وكأن الجنيه يستغيث ولا يجد من ينقذه سوى التجار بفذلكتهم وفهلوتهم!.
هناك حالة تنتاب الجميع، من الصغار وحتى الكبار، من حديثي الزواج وحتى الكهول..حالة من اليأس والقلق والإضطراب أدت إلى أن الشعب كله قد تحول إلى تجار عُملة..
الكل يجري ليدبر أموره، وتدبير الأمور يُحدث أزمة فوق الأزمة..الكل يفكر في الغد ويحاول جاهدا إيجاد حل للتعايش السلمي، الشباب يحاولون الهروب وإيجاد عمل بالخارج، ومع الأسف الخارج لا يختلف كثيرا عن الداخل فالأزمة طالت الجميع..والكبار يلهثون من أجل البقاء في نفس المستوى الاجتماعي الذين تعودوا العيش فيه وعودوا أبنائهم عليه..
أما التجار فلا يأبهون بغير المكسب..هذا يتجار في الدولار وهذا في العقار وذاك في السيارات، لينتهي المشهد كل يوم بحالة من اليأس والإحباط وكأن العجز وباء ينتشر مثل الطاعون.
هنا أتسائل، ما دور الحكومة؟ إذا كانت الأزمة أكبر من أن نجد لها حل، فعلى الأقل مراقبة الأسعار ووضع حد لتلاعب التجار وأصحاب الأعمال بالمواطن، إلزام يجب أن تأخذه الحكومة على عاتقها..
شركات السيارات تبيع للأفراد بالدولار، شركات السياحة تبيع الرحلات بالدولار، العقار تجاوز سعره المسموع والمعقول بأرقام لا يمكن أن يستوعبها عقل، فمن يصدق أن جهاز التكييف على سبيل المثال قد زاد سعره في شهر واحد ما يزيد عن العشرين ألف جنيه! والشركات متوقفة عن البيع مُدعين أنهم ليس لديهم بضاعة، والمؤسف أن البضاعة في المخازن في محاولة رخيصة لإستغلال حاجة الناس في أبشع صورها!.
من المسئول وإلى متى؟
إلى متى؟..العلم عند الله
من المسئول؟..بالقطع الحكومة
فمن المسئول عن مراقبة الأسعار وعن تسهيل إجراءات الإستيراد للأفراد والشركات وموازنة السوق؟
إن وضع آليات ملزمة للقطاعين العام والخاص مهمة الرقابة على الأسواق ومسئوليها، الشركات التي تستغل حاجة الناس للسلع الأساسية يجب أن يطبق عليها القانون، يجب أن يتم وضع تسعير واحد ملزم للجميع.
كان الله في عون المقبلين على الزواج وعلى المتزوجين حديثا..إننا ندفع شبابنا للفرار، ندفعهم للبحث عن فرص عمل في الخارج، وأختلف مع من سيقول لي أن العالم كله يعاني من نفس الأزمة، لأن المبرر والرد الطبيعي الذي أسمعه من كل شاب قرر الفرار هو:
"علي الأقل أعيش عيشة نضيفة وأحس إني بني أدم"!
ما أقسى هذه الجملة..وما أقسى هذا الشعور!.
المجتمع تحول إلى غابة البقاء فيها للأقوى، لمن لديه أنياب ولا يمتلك ضمير يحاسبه ولا حتى يؤنبه..أما من لازالوا متمسكين بأخلاقهم ومبادئهم فقد أصبحوا على شفا الإنقراض أو الجنون،
فمن الصعب أن يحيا البشر تحت ضغط عصبي مستمر وقلق لا ينتهي وخوف مستمر من غد لا يأتي إلا بالأسوأ..
أملنا في غد أفضل هو رجاء لا ينقطع من الله سبحانه وتعالى.. وحتى يأتي الغد فلا مفر من محاربة هذا " السُعار" المحوم الذي أصاب التجار وإيجاد طريقة سريعة لتثبيت الأسعار التي تزيد كل ساعة بلا رحمة..
فهل من مُجيب؟.