أحمد ياسر يكتب: هجوم 7 أكتوبر حطم حلم أوروبا في الشرق الأوسط
كان الهجوم غير المتوقع الأخير الذي شنته حماس وحلفاؤها في "محور المقاومة" ضد إسرائيل سببًا في تحطيم آمال أوروبا في الاضطلاع بدور سلمي في الشرق الأوسط....وقد أثبت هذا الهجوم لأوروبا أن قوتها الناعمة في الاقتصاد، والثقافة، والتنمية، والتكنولوجيا غير فعّالة في منطقة تسود الانقسامات العميقة بين العرق والدين والسياسة والأرض.
ولن تتمكن أوروبا، التي تم تهميشها في اللعبة الجيوسياسية للمنطقة، من متابعة مصالحها ونفوذها في الشرق الأوسط.
والواقع أن تصرفات حماس المدمرة ضد إسرائيل ذكّرت مرة أخرى الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية بأن السبب الجذري لعدم الاستقرار والعنف في هذه المنطقة هو الاحتلال الإسرائيلي، وأنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم أو وقف التصعيد دون معالجة هذه المشكلة.
لقد أظهرت هذه الحرب مرة أخرى للقوى الإقليمية وخارجها أنه لا يمكن تجاهل الواقع أو إنكاره إلى أجل غير مسمى.
وجاء تصرف حماس بمثابة صدمة للحكومات والشركات الأوروبية، ولكن ليس للخبراء الأوروبيين الذين توقعوا منذ فترة طويلة اندلاع انتفاضة ثالثة في الشرق الأوسط، وتصاعد الغضب الفلسطيني ضد تصرفات إسرائيل.
وقد حذرت مؤسسات الفكر والرأي الأوروبية مرارا وتكرارا من أن السياسات التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا على الإطلاق، والتي تواصل بناء المستوطنات غير القانونية في الأراضي المحتلة، وتنتهك حرمة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، قد دفعت الحالة في الأراضي المحتلة إلى حافة الانفجار
ومع ذلك، فإن الحكومات والسياسيين الأوروبيين، الذين أعماهم ما يسمى باتفاقيات التطبيع “الإبراهيمية” بين إسرائيل وبعض الدول العربية، حلموا بصفقة كبيرة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، واعتقدوا بسذاجة أن الشرق الأوسط أصبح الآن جاهزًا للاستثمار والتكنولوجيا الأوروبية
إن تطلعات المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى خطط تعاون اقتصادي ضخمة مع الدول الأوروبية غذت وهم النفوذ الأوروبي.... ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت الدول الأوروبية مشاريع طموحة مثل ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط والتعاون التكنولوجي المكثف مع الدول العربية.
لكن عملية حماس المفاجئة، كشفت أن استراتيجية النفوذ من خلال القوة الناعمة والقوة الاقتصادية هي استراتيجية محكوم عليها بالفشل في الشرق الأوسط.
كان على أوروبا، التي تعتبر جهة فاعلة غير ذات أهمية جيوسياسية في الشرق الأوسط وفقًا لمراكز الأبحاث الأوروبية، أن تواجه واقع التوترات الجيوسياسية في المنطقة عاجلًا أم آجلًا.
ولذلك فإن الشرط الأساسي لتصميم أي استراتيجية نفوذ في الشرق الأوسط هو وضع استراتيجية أوروبية متماسكة وعادلة للتوترات الجيوسياسية في هذه المنطقة، وتحديدًا القضية الفلسطينية.
إلا أن افتقار أوروبا إلى القوة الصارمة، والخلاف الواضح بين الدول الأوروبية بشأن قضية السلام في الشرق الأوسط، كان من الأسباب التي جعلت من الصعب على أوروبا أن تبتكر مثل هذه الإستراتيجية.
إن اختلاف الدول الأوروبية حول ما إذا كان يجب تعليق أو مواصلة المساعدات للفلسطينيين بعد هجوم حماس هو دليل على هذا الادعاء؟.
وهناك قضية أخرى تتلخص في نقاط الضعف الأمنية التي تعاني منها أوروبا، وخاصة فيما يتصل بالحرب في أوكرانيا وضد روسيا، واعتماد أوروبا أمنيًا على الولايات المتحدة، وهو ما يمنع أوروبا من اتخاذ موقف مستقل بشأن القضية الفلسطينية.
لقد كشف الصراع في غزة مرة أخرى عن عدم أهمية أوروبا على الصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، الأمر الذي وضع القارة في موقف دفاعي ضد المنطقة وحطم حلم خطط التنمية الأوروبية في المنطقة.
ومع تصاعد خطر الحرب في غزة وتحولها إلى حرب إقليمية، فضلًا عن تزايد الكراهية بين الجمهور العربي، فإن التهدئة في المنطقة سوف تتوقف، ولن يكون أي مستثمر أو شركة تكنولوجيا أوروبية على استعداد للعمل في مثل هذه المنطقة عالية المخاطر
علاوة على ذلك، سيتم أيضًا تعليق المشاريع الطموحة مثل ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
ستزيد هذه الحرب أيضًا من احتمالية حدوث موجة جديدة من الهجرة الجماعية إلى أوروبا، وأيضًا، بسبب العدد الكبير من المهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، فإنها ستؤجج التوترات بين هؤلاء السكان والمجتمع المضيف، وتهدد الأمن الداخلي للدول الأوروبية.
وسوف تبقي هذه الحرب أوروبا مرة أخرى، في وضع جهة فاعلة تابعة ومعتمدة على الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، سوف تجلب المزيد من التكاليف لأوروبا لتمويل حرب أوكرانيا مع روسيا.
في الختام، في عالم نشهد فيه عودة الحروب التقليدية والمنافسات الجيوسياسية، فإن الاعتماد على الأدوات الناعمة فقط لن يضمن النجاح.
ويصدق هذا بشكل خاص في منطقة مثل الشرق الأوسط، والتي تحددها في المقام الأول صراعاتها الجيوسياسية، وأبرزها الصراع المستمر منذ قرن من الزمان بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومن هنا فإن التطلعات الأوروبية إلى ممارسة نفوذ خفي في المنطقة، والأوهام العربية في استرضاء شعوبها، كانت مجرد أوهام، أوهام تحطمت في مواجهة الصراع في غزة.